في زمنٍ تتسارع فيه التحديات وتتبدّل فيه ملامح التعليم حول العالم، تبرز مبادرة عربية نوعية تقودها الإمارات العربية المتحدة لتعيد للتعليم رسالته الجوهرية وللابتكار مكانته في بناء المستقبل. إنها جائزة التعليم المستدام التي أطلقها المركز الإقليمي للتخطيط التربوي، لتكون أكثر من مجرد جائزة؛ إنها دعوة مفتوحة للتفكير من جديد في معنى التعليم، وكيف يمكن أن يكون أداة حقيقية لتحقيق التنمية المستدامة.
تهدف الجائزة إلى تحفيز المؤسسات التعليمية في العالم العربي وخارجه على إعادة تصور التعليم من منظور شامل ومستدام، يوازن بين الجودة والعدالة، وبين الابتكار والتأثير الواقعي. فهي تتماشى مع الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة، الذي يؤكد على ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع، وهو الهدف الذي يشكّل الأساس لبقية أهداف التنمية، إذ لا يمكن بناء مجتمعات مزدهرة دون تعليم قوي يُمكّن الأفراد ويُطلق طاقاتهم.
ما يميز هذه الجائزة عن غيرها هو تركيزها على الأثر المستدام، فهي لا تكتفي بتكريم المبادرات المتميزة فحسب، بل تبحث في عمق التجارب عن تلك التي تمتلك القدرة على إحداث تغيير حقيقي وطويل الأمد. فالمشاريع والبحوث التي تُكرَّم من خلالها هي التي تعتمد أساليب تعليمية شاملة ومنصفة تراعي التنوع، وتوظف التكنولوجيا والإبداع التربوي في تحسين جودة التعليم، وتقدم حلولاً قابلة للتطبيق في مختلف البيئات. كما تُشجّع الجائزة على بناء شراكات استراتيجية بين القطاعات التعليمية والحكومية والخاصة، بما يضمن توسيع نطاق الأثر وتعميق جذوره في المجتمع.
تنقسم الجائزة إلى فئتين رئيسيتين هما أفضل مشروع أو برنامج تعليمي وأفضل بحث تطبيقي، حيث يُعنى التقييم بالنتائج القابلة للقياس والتأثير الفعلي على أرض الواقع. ومنذ انطلاقتها، كانت الجائزة بمثابة الشرارة التي دفعت مؤسسات تعليمية عديدة إلى تبنّي رؤى جديدة، فشهدنا توسعاً في الوصول إلى التعليم في المناطق المحرومة، ودمجاً أكبر للتقنيات الرقمية في العملية التعليمية، وتطويراً لمناهج حديثة تجمع بين الهوية الوطنية والمعايير العالمية، إلى جانب بحوث تطبيقية دعمت رسم السياسات التعليمية وصنع القرار المستنير.
إن الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة ليس مجرد بند ضمن خطة أممية، بل هو بوابة نحو عالم أكثر عدلاً ووعياً. فالتعليم النوعي هو الطريق لكسر حلقة الفقر، وتعزيز المساواة بين الجنسين، وبناء مجتمعات قادرة على التعلّم المستمر ومواجهة التحديات. وكل خطوة نحو تعليم أفضل، هي خطوة نحو تنمية أكثر شمولاً وإنسانية.
لا تقف جائزة التعليم المستدام عند حدود التكريم، بل تتجاوزها لتكون مختبراً للأفكار والسياسات، حيث تتحول المشاريع الفائزة إلى نماذج تُستلهم في أماكن أخرى، وتُفتح أمامها آفاق التعاون الدولي والتمويل والبحث. بهذا المعنى، فإن الجائزة ليست غاية بحد ذاتها، بل وسيلة لإعادة تعريف التعليم بوصفه ركيزة للتنمية الشاملة وأداة لتغيير العالم نحو الأفضل.
وهكذا، تبقى هذه الجائزة التي يقودها المركز الإقليمي للتخطيط التربوي، منارة فكرية تعكس رؤية الإمارات الطموحة في بناء مستقبل تعليمي قائم على الإبداع، وشهادة على أن التعليم المستدام ليس خياراً، بل هو ضرورة وجودية لمستقبل الإنسانية.