وداعا أفيخاي أدرعي .. الناطق الذي كان لا يطاق!
د. ماجد عسيلة
12-11-2025 08:43 AM
يبدو أن القدر قرر أخيرا أن ينهي هذا المسلسل الطويل الذي بدأ منذ أكثر من عشرين عاما بعنوان "أفيخاي واللغة العربية"، بطولة ضابط إسرائيلي قرر أن يعلمنا الأخلاق والدين وحقوق الإنسان، بينما كانت طائراته تدرس الأطفال معنى "الاستهداف الدقيق"!
الخبر يقول إن أفيخاي أدرعي غادر منصبه كمتحدث باسم جيش الاحتلال.. الخبر محزن فعلا، ليس لأنه سيغادر، بل لأننا سنفقد جرعتنا اليومية من الفكاهة السياسية، فالرجل كان أشبه بـ"كوميديان عسكري" يلبس البزة ويقتبس من القرآن ومفردات اللغة العربية، ثم يختم تصريحاته بعبارة "تذكروا نحن نحميكم من الإرهاب"، بينما الدخان خلفه يغطي نصف غزة!
كان يتقن دور "المراوغ الحنون" بإتقان مذهل كأنه يقول: نقصفكم لأننا نحبكم.
يستشهد بآيات الرحمة ليبرر قصف مدرسة، ويقتبس من السنة ليدافع عن جريمة حرب، حتى أننا في لحظات كنا نتساءل: هل هذا متحدث باسم الجيش أم خطيب تائه في خريطة الضمير؟
لقد كان أدرعي مشروعا إعلاميا قائما بذاته، فهو لا ينقل أخبارا بل يصنعها من الهواء، يخلط الكذب بالبلاغة والدم بالابتسامة.
من باب العدالة يجب أن نعترف أنه نجح في مهمة واحدة فقط: توحيد العرب على الضحك منه، فكل مرة يظهر فيها كانت مواقع التواصل تتحول إلى مهرجان من التعليقات الساخرة، كان يتحدث وكأن العالم كله يصدقه، بينما الجمهور العربي يشاركه تصريحاته فقط لإضافة تعليق مثل: "زدنا يا أفيخاي، نريد المزيد من النكات".
واليوم مع خبر مغادرته أشعر بشيء من الحزن المهني؛ فالإعلام العربي سيفقد مادة دسمة من الكوميديا الجاهزة، فمن سيملأ هذا الفراغ بعدك يا أفيخاي؟ ومن سيذكرنا أن الكذب حين يمارس يوميا، قد يتحول إلى عادة لغوية؟ ومن سيطل علينا للتهنئة في شهر رمضان والعيد؟
وداعا أيها "الناطق الذي كان لا يطاق"، غادرت منصبك لكنك تركت لنا ارثا عظيما من "الدراما الدعائية"، وذكريات لا تنسى عن زمن كان فيه المتحدث العسكري أطرف من أي مهرج سيرك محترف.