القطاع الخاص يسبق الحكومة في سباق الكفاءات
د. محمد حرب اللصاصمة
12-11-2025 03:22 PM
* أين دور رئاسة الوزراء وهيئة الإدارة العامة
يجمع المراقبون للشأن العام في الأردن على أن القطاع الخاص بات اليوم أكثر قدرة على جذب وإستقطاب الكفاءات الوطنية وبخاصة الأوائل والمتفوقين من خريجي الجامعات الأردنية .
فالشركات الخاصة باتت تدرك أن الإستثمار في العقول لا يقل أهمية عن الإستثمار في رأس المال وأن النجاح المؤسسي لا يتحقق إلا حين تدار الشركات بعقل علمي متجدد يؤمن بالكفاءة معيارا وحيدا للتقدم .
في المقابل ما زال القطاع الحكومي يسير بخطى بطيئة في هذا المجال رغم الجهود المعلنة من قبل رئاسة الوزراء وهيئة الإدارة العامة لتحديث الإدارة وتطوير آليات الإختيار والتعيين لكن الواقع ما زال يظهر فجوة واضحة بين الشعارات والتطبيق وبين ما يطرح من خطط إصلاحية وما يعيشه الشباب الباحث عن فرصة عمل في جهاز الدولة .
في الوقت الذي يبنى فيه المستقبل على أكتاف المبدعين ما زالت الكفاءة في بعض مواقع القطاع العام تهمش لصالح الأقدمية أو العلاقات الشخصية أو الولاءات الضيقة مما أفقد المؤسسات الحكومية الكثير من الحيوية والقدرة على التجديد .
إن هذه الظاهرة لم تعد مجرد قضية توظيف أو فرص عمل بل أصبحت قضية وطنية تتعلق بمدى قدرة الدولة على حماية رأس مالها البشري وهو أثمن ما تملكه .
من هنا تقع على رئاسة الوزراء وهيئة الإدارة العامة مسؤولية تاريخية في إعادة النظر في منظومة التعيين والترقية داخل الجهاز الحكومي , نحن بحاجة إلى معايير واضحة وشفافة تستند إلى الكفاءة والجدارة وإلى برامج حقيقية لتأهيل الشباب وتمكينهم من الوصول إلى مواقع صنع القرار تماما كما يفعل القطاع الخاص الذي يسعى إلى إكتشاف المتميزين ومكافأتهم دون تردد .
لقد أثبتت التجربة أن القطاع الخاص حين يمنح الثقة للكفاءات يجني ثمارها في الإنتاجية والإبتكار بينما تخسر الدولة جزءا من طاقاتها كلما سمحت للبيروقراطية أن تكون حاجزا أمام التميز .
ولذلك فإن الإصلاح الإداري لا يبدأ من تغيير الهيكل أو المسميات بل من الإيمان بأن الإنسان الكفء هو العمود الفقري لأي مؤسسة ناجحة .
حزب مبادرة الذي أنتمي إليه يؤمن بأن الشباب هم الركيزة الأساسية في بناء الدولة الحديثة وأن الكفاءة والجدارة لا تقاس بالعمر أو بالمنصب بل بالعطاء والفكر والإبداع ومن هذا المنطلق فإننا ندعو الحكومة إلى فتح الباب أمام الطاقات الجديدة وإلى أن تكون مؤسسات الدولة بيئة حاضنة للمبدعين لا طاردة لهم لأن الوطن لا يمكن أن يتقدم إذا بقيت طاقاته مغلقة خلف أسوار الإنتظار .
إن الأردن وهو يسعى نحو التحديث السياسي والإداري بحاجة إلى أن يوازي هذا التحديث بمراجعة حقيقية لسياسات التوظيف والإختيار , فما قيمة الخطط إن لم تترجم إلى فرص حقيقية تحفظ للمتفوقين مكانهم الطبيعي في إدارة الشأن العام وما جدوى الحديث عن إصلاح إداري إن لم يبنى على قاعدة الكفاءة والعدالة .
في النهاية لابد من الإيمان بأن النهضة لا تصنعها القوانين وحدها بل يصنعها الإنسان المؤمن بوطنه والمخلص في عمله والدولة التي تكرم الكفاءة وتحتضن المبدعين هي الدولة التي تكتب مستقبلها بثقة وتضع كل لبنه في مكانها الصحيح .
إننا ومن منطلق المسؤولية الوطنية والحزبية نوجه دعوتنا إلى رئاسة الوزراء وهيئة الإدارة العامه بأن تكونا في طليعة المؤسسات التي تعيد الإعتبار للكفاءة والجدارة في التعيين والترقية وأن تطلقا مبادرات عملية لإستقطاب الأوائل والمتميزين إلى مؤسسات الدولة .
فالإدارة لا تبنى بالقرارات وحدها بل بالقدوة التي تجسد قيم العدالة والشفافية وتترجمها إلى واقع .
إن الأردن الذي نريده هو وطن يكافئ المبدعين لا المتملقين ويضع المتميزين في مواقعهم الطبيعية ليقودوا مسيرة الإصلاح من داخل مؤسسات الدولة لا من خارجها .
* حزب مبادرة