facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




تفكيك الفكر التكفيري: رؤية شاملة للمواجهة


ميس القضاة
26-11-2025 06:43 PM

تعد الحوادث الأمنية المرتبطة بالفكر التكفيري، تذكيرًا صارخًا بحدود البيانات الإعلامية والتنديد الرسمي كوسيلة وحيدة لمواجهة التطرف، صحيح أن هذه البيانات تعكس موقف الدولة والمجتمع، وتساهم في توجيه الرأي العام ودعم الإطار القانوني، إلا أنها تبقى محدودة التأثير على الأرض لأنها لا تمس جذور الفكر التكفيري ولا تغير البيئة الفكرية والاجتماعية التي ينمو فيها التطرف، حيث أن التطرف الفكري ليس مجرد أعمال عنف، بل شبكة معقدة من المعتقدات والتصورات التي تتغذى على الجهل الفكري، الغربة الاجتماعية، والحرمان النفسي أو الاقتصادي، وهذا ما يجعل مواجهته تحديًا يتجاوز الإجراءات الأمنية التقليدية.

المواجهة الحقيقية تبدأ من تفكيك الفكر التكفيري والذي يعتمد على تفسيرات مشوهة للنصوص الدينية، واستغلال نقاط الضعف لدى الأفراد الباحثين عن هوية أو معنى. لذلك، من الضروري تطوير خطاب ديني مؤهل وموجه بعناية، يقدمه علماء ومفكرون قادرون على المناقشة العقلانية، وفهم السياق الاجتماعي للشباب، وتقديم بدائل فكرية وروحية مقنعة. هذا الخطاب يجب أن يكون مستمرًا ومتجذرًا في التعليم والمدارس والمساجد ووسائل الإعلام، بحيث لا يقتصر دوره على ردود فعل متقطعة بعد الحوادث الأمنية. تفكيك الفكر المتطرف لا يعني مجرد النقاش العقلي، بل يشمل بناء رؤية شاملة عن الدين والحياة تعزز الوعي، وتخلق مناعة فكرية أمام أي خطاب متطرف.

في هذا السياق، يمثل التعليم حجر الأساس في بناء مقاومة فكرية مستدامة فتطوير مهارات التفكير النقدي والتحليل المنطقي، وغرس القيم الإنسانية والتاريخية، يمكن أن يمنح الشباب القدرة على التمييز بين الأفكار السليمة والمتطرفة، ويعطيهم أدوات لحل النزاعات سلمياً والتعامل مع التحديات اليومية بطريقة عقلانية. إدماج برامج تعليمية متقدمة لتعليم التسامح واحترام الآخر، إلى جانب فإن تدريب المعلمين والمربين على التعرف المبكر على بوادر التطرف والتدخل بأساليب علمية، يشكل جدارًا واقيًا ضد انتشار الفكر التكفيري فالتعليم هنا لا يقتصر على المعرفة الأكاديمية، بل يصبح أداة استباقية لبناء مناعة ثقافية وفكرية داخل المجتمع.

إضافة إلى التعليم والخطاب الديني، يلعب المجتمع والإعلام دورًا محوريًا في هذه المعركة، المبادرات المجتمعية، بما فيها الحوارات المفتوحة والأنشطة الشبابية، تعمل على دمج الفئات الأكثر عرضة للتطرف ومنع عزلة الشباب التي يستغلها الفكر التكفيري. كما أن الإعلام المسؤول يمكن أن يقدم بدائل فكرية ويبرز شخصيات نموذجية، مع تفادي تضخيم الأحداث أو تقديم سرديات مثيرة قد تولد نوعًا من الجاذبية غير المقصودة للفكر المتطرف. إن الجمع بين هذه المبادرات المجتمعية والإعلام الواعي يخلق بيئة ذهنية ونفسية أقل خصوبة للتطرف، ويحول المجتمع من مجرد متلقي للبيانات إلى فاعل مؤثر في محاربة الفكر التكفيري.

لا يمكن تجاهل البعد الاجتماعي والاقتصادي في مكافحة التطرف، فهو أحد العوامل الأساسية التي يستند إليها الفكر التكفيري للانتشار كالشعور بالحرمان الاجتماعي، والتمييز الاقتصادي توفر بيئة خصبة لتغذية التطرف، إذ يسعى الأفراد في هذه الظروف إلى الانتماء والهوية التي يقدمها المتطرفون. لذلك، فإن تحسين الظروف المعيشية، خلق فرص عمل، تقديم دعم نفسي واجتماعي، وتمكين الشباب من المشاركة المجتمعية والسياسية، يمثل ركيزة لا غنى عنها في الاستراتيجية الشاملة لمواجهة الفكر التكفيري. هذه الإجراءات تمنح المجتمع القدرة على حماية أفراده من الانجراف وراء التطرف، وتخفف من تأثير الدعاية المتطرفة التي تستغل العزلة والإحباط.

في المحصلة، محاربة الفكر التكفيري تتطلب رؤية استراتيجية شاملة ومتكاملة تتجاوز التنديد الإعلامي لتشمل تفكيك الفكر المتطرف، التعليم النقدي، المبادرات المجتمعية، الإعلام المسؤول، التحسين الاجتماعي والاقتصادي، والإطار الأمني والقانوني. الجمع بين هذه العناصر يحقق حماية فعلية للمجتمع، ويقلل من تأثير التطرف على الأفراد والجماعات، ويؤسس لمستقبل أكثر استقرارًا وأمانًا، حيث تصبح المناعة الفكرية والثقافية جزءًا من نسيج المجتمع ذاته، وليس مجرد شعار إعلامي عابر.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :