عمون - "اعيدوا لنا قلوبنا التي قسَتها الحكومات .. سامحونا فقد اصبح الوطن عبارة عن شقف وكل واحد منا صار يشعر أنه شقفة.. الوطن صار كالخبز فالكل يحلف عليه والكل يأكله"..

بهذه الكلمات يختم الفنان الكبير موسى حجازين مسرحيته التي كتب نصها بإبداع الزميل الكاتب الساخر أحمد حسن الزعبي الذي أجاد إسقاطات يعايشها المواطن العربي والأردني في بيت "أبو صقر" من بلدة "المَقاطيع".

مسرحية "الآن فهمتكم" التي اخرجها محمد الضمور تُجسد يوميات الواقع العربي وإن سلطت الضوء على مفاصل مهمة من الحالة التي يعايشها الأردنيون منذ مطلع العام الحالي.

المسرحية التي تعرض على خشبات مسرح "الكونكورد" في منطقة الشميساني بالعاصمة عمان يومياً عند الساعة الثامنة والنصف لاقت حضوراً لافتاً وكان واضحاً تعطش الجمهور للتفاعل مع المسرح الساخر.

"أبو صقر" في المسرحية بعد أن يدرك بأحقية مطالب أبنائه يعمل على مراجعة ذاتية لنفسه حيث يناجيها ليلاً تحت شدة الظلام ويكتشف عند مباغتة زوجه له وإشعال الأنوار وجود لافتات قد ملأت الجدران كُتب عليها "فاتكم القطار" .."ارحل يعني امشي" .."فات الفوت" ..

يحاول "أبو صقر" حينها أن يرضي أولاده الذين اهترأت ألسنتهم بالمطالب سابقا وحين يسأل عنهم لكي يعنفهم يقال له أنهم قد احتلوا منزل جدهم الذي لم يكن يجرؤ أحد من قبل على دخوله.. ويسعى "أبو صقر" جاهداً إخراجهم عنوة فلا يستطيع فيجادلهم بالتي هي أحسن ويرجوهم دون جدوى.. وبعد وساطة امهم يخرجوا وحينها يسارع لتقديم عروض لتغييرات في الحياة اليومية لابنائه ويسعى لتلبية مطالبهم إلا أنها لا تفي بالغرض فيعودوا من حيث اتوا.. وبعد أن يفقد السيطرة بكل شيء يقول لهم "الآن أنا فهمتكم" وهي الجملة الشهيرة التي قالها الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي عشية فراره الى جدة..

يتسعين حجازين خلال حديثه هذا الى نصوص وعبارات استخدمها الرئيس المصري السابق حسني مبارك .. كما انه يتساءل عن أي مكان قد يفر اليه .. ويقول: الى "شرم الشيخ " .. "جدة" .."زي المهبول الى باب العزيزية"..

في الشأن المحلي يسلط الكاتب الزعبي بنصه على الأحداث التي عايشها الأردن خلال الحراك المطالب بالإصلاح.

وفي احد مشاهد المسرحية وأثناء زيارة رئيس حكومة يعترض ابناء "المَقاطيع" على مجيئه لكن "أبو صقر" يتصدى لهم كونه مقرباً من الحكومة ويحاول الإمساك بزمام الامور أمام الرئيس لكن الامور تفلت في خواتمها بسبب شد الانتقادات وتقع مشاجرة تخلف إصابات وربما أكثر يتندم عليها "أبو صقر" لاحقاً ويشعر أنه لم يكن يقف الى جانب الحق..

خلال زيارة رئيس الوزراء للبلدة ينتقد المواطنون بيع شركات ومؤسسات دولتهم وكيف تزايدت الارباح عليها بعد بيعها على الرغم من خسارتها قبل ذلك ، كما أنهم ينتقدون "البلطجة" التي تطل بين الحين والاخر على مواطنين يطالبون بالاصلاح في بلدتهم ، فيدافع "ابو صقر" عن الضيف بالقول " حتى الحكومة والله ما بتعرف من وين بيجوا ودائما بتسأل عنهم؟؟"..

ويسخر أبو صقر من الخصخصة والحديث عن بيع أصول الدولة التي طالت مواقع مهمة فيقول أن الدولة "رفعت شُمع" وتريد أن تبني طابقاً ثانياً للمواطنين.. وتترك الارضي لميقاتي أو الحريري أو للوطن البديل.

شقيق "ابو صقر" العائد للتو من كندا يستغرب ما يجري في البلدان العربية ، كما أنه يسأل عن والده بعد غياب 30 عاما فيجيب "أبو صقر" : " والله لو أجيت قبل 8 أشهر في أيام حكومة سمير الرفاعي كان زبطت معك وشفت ابوك لأنه كل الأموات طلعوا من المقابر وصوتوا في الانتخابات وتغدوا ومن ثم عادوا" ..

وعن مكان قبر والده يسخر "ابو صقر" حينما يقول "بنوا مول فوق المقبرة يليق بعظام أبوك".. وعندما يتحدث الشقيقان بالسياسة فيُبلغ شقيقه المغترب "عندكم تشكل الحكومة من البرلمان.. بينما نحن تشكل الحكومات البرلمان"..

وبطريقة ساخرة جداً حول تشكيل الحكومات في الاردن أشبه بطريقة "السحب على اليانصيب الخيري" .. يتم المرور على تشكيل الوزارت واختيار الوزراء ومن لم يحصل على موقع وزاري ممن جلسوا على "خشبة المسرح" عبر اليانصيب فهنالك جوائز ترضية..

في العرض المسرحي يوم الثلاثاء كان الجمهور شغوفاً برصد كل كلمة ومعنى في المسرحة وتتبعوا لحظاتها بنهم بالغ كان يرتفع معها التصفيق..

الممثلون برفقة حجازين "جورج حجازين، معتصم فحماوي، غازي قارصلي، أريج دبابنة، خلدون حجازين، حـنـيـن، بتول الضمور، محمد السوالقة، محمد الصبيحي، غيث الفاعوري" كانوا على مستوى عال من الاداء فيما كانت "ديكورات" المسرحية لافتة والتي أشرف عليها محمد السوالقة باتقان بالغ ..



** الصور بعدسة الزميل أنس ضمرة