ولادة تنظيمات عسكرية جديدة
ماهر ابو طير
08-12-2025 12:25 AM
لا يفهم الغرب دول المنطقة وشعوبها كثيرا، وفي حالات كثيرة يفهمها جيدا، لكنه لا يأبه بالنتائج، ويستند إلى القوة في سياساته.
هناك تقديرات تتحدث اليوم عن أن المنطقة سوف تشهد نشوء موجة جديدة من التنظيمات العسكرية، برغم الحروب التي شُنَّت على التنظيمات القائمة، من حزب الله إلى حماس والجهاد الإسلامي، مرورا بتنظيم الدولة الإسلامية، والقاعدة، والنصرة والحشد الشعبي وأنصار الله وغير ذلك من تنظيمات، بعضها كان يعمل ضد الاحتلالات، وبعضها كان يحارب أنظمة قائمة.
من حيث المبدأ لا يمكن مقارنة تنظيم عسكري بآخر، لأن كل تنظيم له بنية فكرية وعقائدية مختلفة جزئيا عن بقية التنظيمات، لكن المشترك بينها أنها جميعها عسكرية، وفي جوهر بنيانها الفكري عداء للغرب وإسرائيل، إضافة إلى تشدد ديني وشرعي يعتمد على رؤية فقهية محددة، تحرك التنظيم وتغذيه عبر مسارات مختلفة، وجميع هذه التنظيمات وجدت تمويلا وسلاحا ودعما بطرق مختلفة.
التنظيمات العسكرية التي حاربت الاحتلالات تختلف تماما عن التنظيمات العسكرية التي وُجدت لأسباب دينية أو مذهبية بحتة، لكننا نلاحظ أن منطقة بلاد الشام والعراق ومصر واليمن هي الأكثر إنتاجا للتنظيمات العسكرية خلال العقود الماضية، وإذا كان البعض يعتقد أن هناك أجهزة أمنية ودولا أنتجت بعض هذه التنظيمات في الأساس لصالح أجندات محددة، مثل داعش في العراق وحربها على الشيعة مثلا، إلا أن هذا الرأي لا يبدو عميقا، لأن أغلب التنظيمات تمددت وخرجت عن السيطرة، وربما أنتجت تنظيمات ثانية من رحمها عدلت جذريا أو جزئيا على بنيانها الفكري، أو الأيديولوجي. في التوقيت الحالي ما تزال هناك تنظيمات عسكرية فاعلة، برغم الحرب التي تشنها واشنطن ودول العالم على هذه التنظيمات، وإذا كان بعضها قد تضرر فعليا، إلا أن ولادة تنظيمات جديدة يبدو أمرا واردا لعدة أسباب أبرزها أن الحل العسكري والأمني لا يمنع ولادة تنظيمات، مثلما أن أسباب نشوء بعض التنظيمات ما تزال قائمة من الأساس، وربما تضاعفت من حيث السوء، بما يعني أن إفناء أو إضعاف أو تفكيك أي تنظيم لا يعني نهاية الرحلة، بل لعله سيكون سببا في توليد تنظيم جديد، خصوصا في نماذج محددة لن تجد سوى هذا النمط للمواجهة، خصوصا في ظل معادلات الإقليم الحساسة.
حروب العامين الأخيرين من جانب إسرائيل على شعوب المنطقة ودولها أحد أبرز الأسباب التي ستؤدي إلى صناعة تنظيمات جديدة لمواجهة إسرائيل والمشروع الأمريكي، كما أن تأثيرات الحروب الحالية على التنظيمات ستؤدي بعد فترة كمون إلى بروز تنظيمات جديدة من باب رد الفعل، واستعادة الأنفاس، ويكفي تقييم وضع داعش في سورية مثلا لتثبت أن التنظيم يتراجع ثم يسترد نشاطه، فيما كل البؤر الرخوة مؤهلة لهكذا مشهد خلال السنوات العشر المقبلة.
هناك خلط متعمد في التقييمات والتعبيرات السياسية والإعلامية بين التنظيم الذي يقاوم الاحتلال، والتنظيم الذي تولد لاعتبارات داخلية تناوئ الأنظمة، وتعتبر أن التغيير يبدأ من الداخل قبل أي احتلال، وتوصيف كل التنظيمات بكونها تعبيرا عن الإرهاب في الشرق الأوسط، لم يخفض من تأثير التنظيمات في بعض دول المنطقة. منذ أفغانستان وحتى يومنا هذا لا يتراجع عدد التنظيمات العسكرية في كل العالمين العربي والإسلامي، فيما حسابات هذه الفترة تقول إن الرؤية الغربية والإقليمية والعربية لتطهير المنطقة من التنظيمات قد تنجح مؤقتا، لكنها ستؤدي بالضرورة إلى صناعة بدائل جديدة، وليس أدل على ذلك من تزايد عدد التنظيمات العسكرية، لا انخفاض عددها، وهذا يعني بالضرورة في "الرياضيات الأمنية" أن المنطقة ستشهد ولادة تنظيمات عسكرية جديدة، ما دامت معالجة هذه الملفات تجري بطريقة لا تضع في حسابها مظالم المنطقة، ولا مسببات نشوء هذه التنظيمات بشكل طبيعي أو حتى داخل المختبرات المعتمة.
بلاد الشام والعراق ومصر واليمن هي أكثر المناطق قابلية لهذه الحالة المتوقعة، بما يعني أننا أمام عقد جديد لن تنجح معه الوسائل التقليدية من عمليات عسكرية أو محاولة خفض جاذبية التنظيمات من خلال السياسة والإعلام، في ظل التعقيدات الحساسة في المنطقة. تحويل المنطقة إلى منطقة رخوة وهشة سياسيا واقتصاديا وأمنيا سيؤدي إلى نتائج كثيرة، ولو من باب رد الفعل على كل شيء.
"الغد"