قصر المؤتمرات في دمشق .. شاهدٌ على عودة الروح للأمة
د. حمزة الشيخ حسين
09-12-2025 11:40 AM
لم يكن المشهد في قصر المؤتمرات بدمشق مجرّد احتفال عابر بعيد التحرير الأول، بل كان لوحة تختصر حكاية شعب كامل. فمن تابع دموع الأطفال الأيتام التي انهمرت بتلقائية أثناء الاحتفال، أدرك حجم التحوّل الذي تعيشه سورية اليوم، وحجم الفرح العميق الذي استعادته بعد سنوات القهر والضياع. كان العربي ـ من أي بلد كان ـ يرى في تلك الوجوه كيف كانت سورية، وكيف أصبحت، وكيف تقف اليوم على عتبة مرحلة جديدة بثبات وثقة.
الأطفال الذين فقدوا آباءهم، وكبروا قبل أوانهم، وقفوا رجالًا يحملون قوة العزم وإرادة النجاح، لا لأنفسهم فحسب، بل لبلدٍ يستعيد لونه وملامحه. بكاؤهم الصادق كان أشبه برسالة وطنية: “لن نعود إلى الخلف… وسنبني ما تهدّم”.
وهذه الرسالة وصلت لكل بيت عربي شاهد الحدث، ولنا في الأردن قبل غيرنا، بحكم الجوار والتاريخ والمصير الواحد.
ما لفت الأنظار في احتفال دمشق أنّ كل أطياف الشعب السوري كانت حاضرة، من الجبل إلى الساحل، ومن حوران إلى الجزيرة. مشاركة الإخوة الدروز، وأهالي الساحل، وكل المكوّنات التي تشكّل النسيج السوري، أكدت حقيقة لطالما تمسّك السوريون بها: سوريا عصيّة على التقسيم، لأن أهلها هم من يرفضون الانقسام قبل أي أحد.
إن عرضًا واحدًا مما بُثّ في قصر المؤتمرات يكفي ليُطفئ أي محاولة لزرع الفتنة، ويكفي ليُسقط من أذهان المغامرين أوهام إعادة رسم مستقبل سوريا وفق مصالح ضيقة أو أجندات خارجية. فمن يرى هذا التلاحم الشعبي يدرك فورًا أن سوريا تعود بقوة، وأنها لا تنكسر بسهولة.
دموع الطفل السوري الذي فقد أباه ليست دموع فرد، بل دموع وطنٍ كامل. هي تمثل الجميع، وتدعو الجميع لأن يتعلموا من صبره وقوة قلبه. فالشعب السوري شعبٌ بسيط ومسالم، لا يليق به سوى الجيرة الطيبة، والمحبة، والاحترام المتبادل بين مكوّناته… وهو ما كان عليه، وما سيعود إليه.
وفي الأردن، حيث نختلف أحيانًا مع حكومتنا في قضايا داخلية، يبقى جامعنا الأكبر هو حب الوطن والالتفاف حول الجيش وقائده. هذا النموذج من الوحدة الوطنية هو ما نأمله لإخوتنا في سوريا، لأن الأمن والاستقرار لا يقدَّران بثمن، ولأن شعوب المنطقة كلها ستدفع ثمن أي تفكك أو صراع لا قدر الله.
اليوم، يتطلع الأردنيون إلى سوريا بكل المحبة، آمِلين أن يستمر السوريون في ترميم جراحهم، وتثبيت وحدتهم، وإفشال كل مخطط يستهدف بلدهم أو محيطهم. فالمستقبل في هذه المنطقة لن يُكتب إلا بثبات الشعوب، وتكاتفها، ورفضها لكل مشروع تقسيم أو اقتتال…