كيف تُحرم إربد من ملايين وتُغدَق الصحراء بمليارات؟
د. حمزة الشيخ حسين
12-12-2025 12:26 PM
بين احتياجات قائمة مُهملة منذ عقود ومشاريع صحراوية تُموَّل بلا سقف… يبقى المواطن يبحث عن منطق يفسّر قرارات الحكومة.
إربد، المدينة التي يعيش فيها أكثر من مليون ونصف إنسان، تعاني يوميًا من أزمة سير خانقة تستنزف وقتهم وجهدهم ووقود سياراتهم. سنوات طويلة، ومشاريع بسيطة مثل أنفاق وجسور مشاة كانت كفيلة بحل الأزمة، لكنها بقيت معلقة، والملايين المطلوبة غير متوفرة، رغم مئات الزيارات والوعود الرسمية. ما حولنا متوقف بلا حلول جذرية، والشارع يعاني كل يوم، والناس باتوا يشعرون بالإحباط من وعود لم تُنفَّذ.
أين وزير الإدارة المحلية عن حل مشكلة أنفاق إربد وفك حبل المشنقة عن المواطنين الذين يعانون يوميًا من أزمة السير الخانقة؟ وأين وزير الصحة ليرى طوابير الانتظار الطويلة أمام المستشفيات، ولتتوفر الأدوية الأساسية التي يعجز المستشفى عن توفيرها؟ وأين وزير التنمية السياسية الذي يرى ويسمع حجم معاناة الشمال، ويطالب عبر الأحزاب بتوفير العيش الكريم وحل المشكلات اليومية للسكان؟ كل هؤلاء الوزراء موجودون، لكن الواقع يقول إن المدينة والمواطنين ما زالوا ينتظرون حلولًا حقيقية لمشاكل بسيطة كان بالإمكان حلها منذ سنوات.
الغريب أكثر أن الحكومة حصلت على ثقة مجلس النواب على الموازنة العامة، وبنفس الوقت تقول إن إربد لا توجد لها مخصصات. المليارات جاهزة لمشروع مدينة “عمرة” في الصحراء”، بمشاركة الضمان الاجتماعي ومنح وقروض خارجية، بينما الملايين غير متوفرة لحل أزمة واقعية للمواطنين! هذا ما سيؤدي في المستقبل إلى عجز مالي هائل إذا استمرت الأولويات بهذا الشكل.
المواطن اليوم لا يطلب المستحيل، يريد فقط حكومة واقعية ترى الواقع كما هو، تعالج الأزمات الحقيقية، وتدعم المواطنين قبل أن تُنفق على مشاريع بعيدة عن حاجتهم. المنطق يقول: ابدأ بما هو قائم، أصلح المدينة، وفرّ الحلول لمواطنين ينتظرون منذ عقود، ثم انطلق نحو المشاريع الجديدة.
بناء المدن ليس خطأ، لكن الخطأ أن تُبنى الأحلام في الصحراء بينما ما حولنا متوقف بلا حلول جذرية. وإذا استمرت الأولويات بهذا الشكل، سنجد أنفسنا بعد سنوات أمام عجز مالي هائل ومدن غارقة في مشاكلها.
وأخيرًا، على مجلس النواب الموقر أن يتخذ موقفه قبل أن يسجل التاريخ على نفسه، ويسجل بقاؤها في عهد دورة مجلس النواب الحالي. إنقاذ المستقبل يبدأ بإصلاح الحاضر، وليس بالهروب إلى مشاريع لا تمس حياة الناس.