إن المتتبع لسياسة الهاشميين تجاه المعارضين لم تكن يوما سياسة عنف ولا سياسة تصفية ولا سياسة انتقام بل كانت سياسة احتواء بهدف الإبقاء على وحدة الصف الداخلي وعدم السماح للعدو أن ينفذ من خلال ذلك.
والشواهد على ذلك أكثر من أن يتسع المجال لشرحها.
فقد تقدم اعلام أردنيون مثل أبي قورة والبلبيسي والطراونة والطباع.... غيرة على الإسلام بطلب إنشاء جمعية عمل اسلامي وصدر قرار بالموافقة عام ١٩٤٥م وجاء الملك عبدالله الأول وافتتح مقر الجمعية في الدوار الأول / جبل عمان. واستمر عمل الجمعية طيلة حكم الملك طلال ثم الملك الحسين الذي امتد حكمه لسبع وأربعين سنة وكان يستقبل رموز العمل الإسلامي ويشرح لهم ويسمع منهم وأثنى عليهم مرات ومرات وظلت كلمته المشهورة أنهم من أبناء شعبي وكنت أجدهم دوما معي في الملمات عام ١٩٥٧، عام ١٩٧٠، عام ١٩٨٢، عام ١٩٨٤، عام ١٩٨٩، عام ١٩٩٣. ولم يكن لهذا الاتجاه أي خطاب تجاه الدولة والنظام سوى الاعتراض على بعض السياسات الحكومية رغم أنهم لم يشاركوا في الحكومات سوى مشاركة يتيمة مع الراحل مضر بدران ولستة أشهر، ولم يتول واحد منهم رئاسة الوزراء منذ أن نشأت الدولة عام ١٩٢١م وحتى ٢٠٢٥م.
نعم شد الحبل كان موجودا لكن الخطاب العاقل كان موجودا الا في حالات شاذة نادرة لا تعبر عن أداء امتد لثمانين عاما.
تعرض الأردن لنقد من نظام حافظ أسد أنه يدعم المعارضين السوريين فكان رد جلالة الملك الحسين رسالة بعث بها لرئيس وزرائه زيد الرفاعي وجاء فيها نقد للإسلاميين فظن البعض أن الدولة تريد تغيير سياستها فلما استفسر رئيس الوزراء جلالة الملك ما كان من الحسين إلا أن قال له: هذه الرسالة لحافظ أسد وليست لك، ونحن على ما نحن عليه.
نعم حصل خلاف على معاهدة السلام وظل في الإطار الدستوري حيث صوت الإسلاميون ضد المعاهدة وبهذا كان التصويت البرلماني خادما للديمقراطية ولم تكن نتيجة التصويت مثل غيرنا ولم ينقطع حبل الود.
واستقبل الأردن أعدادا من الاسلاميين المصريين والعراقيين والسوريين وسمعت منهم ثناء على الأردن وقيادته حتى قال المرحوم عبدالجبار البياتي الضابط العراقي رحمه الله: لو اعلم أن أحدا يريد الشر بالأردن لحملت السلاح دفاعا عنه.
وضم تراب الأردن جثامين لم تتسع لها بلادهم مثل المرحوم عبدالجبار البياتي والمرحوم سعيد حوى والمرحوم عدنان سعد الدين وعشرات ممن اعرف شخصيا، كل ذلك لأن سياسة الدولة معتدلة حتى قال رائد الفكر الإسلامي سيد قطب عن الأردن: أنه رئة التنفس.
للدولة ظروفها وكان على الجميع فهم هذه الظروف وعدم تحميلها ما هو فوق الطاقة في لعبة الأمم والتحالف الصهيوني الغربي الضامن لوجود دولة العدو.
حصلت أخطاء ولا بد من الاعتراف بها، كما لا بد من مراجعة الخطاب، ولا بد من تقديم المصلحة الوجودية للدولة على مصلحة اية فئة.
ان الطيش على شبر ماء سياسة اعتمدها الناصريون والبعثيون في محاولتهم الفاشلة عام ١٩٥٧م ومع هذا عفا عنهم جلالة الملك بل سلمهم المناصب الخطيرة لأن سياسة الدولة احتواء الجميع وبعض مسؤولينا كان يوما في السجن لأنه كان معارضا لوجود الدولة وصار فيما بعد رئيسا للوزراء وقائمة الوزراء طويلة وكلنا يعرفهم.
واليوم لا يزال الأمل في استمرار هذه السياسة في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني لتنفيس الاحتقان والتطلع للمستقبل لسياسة العفو هي السياسة الأصلب والأقوى وقد رأينا حولنا من قتلوا من شعوبهم أعدادا غفيرة تشكو أرواحهم إلى بارئها ظلم الظالمين.
سيبقى هذا البلد واحة أمن واستقرار بفضل الحكمة السياسية والجهد المميز لقواتنا المسلحة ولعيون الأجهزة الأمنية المحترفة يردفها شعب متعلم بقدر الإمكانات ولا يحمل بلده فوق طاقته.
لنراجع جميعا أنفسنا لنحافظ على ما عشناه عبر عشرات السنين.