facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




إنجازات الحكومات: بين الأداء الرمادي وما تحقق على الأرض


د. رائد قاقيش
23-12-2025 01:20 AM

قبل ما يقارب عام، كُتب مقال «جعفر… آمال وتحديات» بوصفه قراءة أولية لحكومة جديدة، في لحظة سياسية كانت محمّلة بالتوقعات، ومفتوحة على احتمالات متعددة. لم يكن ذلك المقال تزكية ولا إدانة، بل محاولة لقراءة المشهد بهدوء، ومنح التجربة زمنها الطبيعي، وترك الحكم للوقائع لا للانطباعات.

اليوم، وبعد ما يقارب عام على تسلّم جعفر حسان وفريقه الوزاري مهامهم، يصبح من المشروع، بل من الضروري، العودة إلى تلك القراءة، لا بدافع المراجعة الشخصية، بل من باب التقييم السياسي المسؤول: ماذا تحقق؟ ماذا تعثّر؟ وما الذي يمكن تعلّمه من هذه التجربة؟.

سياسيًا، يمكن القول إن الحكومات لم تفشل، لكنها أيضًا لم تُقنع. وهذه في حد ذاتها إشكالية خطِرة؛ فالفشل يفتح باب النقاش والمساءلة، أما الأداء الرمادي فيُنتج لامبالاة عامة، ويُضعف فكرة المسؤولية السياسية ذاتها. حين لا يشعر المواطن بأن هناك خطأً واضحًا أو نجاحًا ملموسًا، يصبح الحكم ضبابيًا، وتفقد السياسة معناها اليومي في حياة الناس.

ليس من الإنصاف القول إن الحكومات المتعاقبة لم تُنجز شيئًا، كما أنه ليس دقيقًا الادعاء بأنها نجحت في إقناع الشارع بقدرتها على إحداث التحوّل المنشود. الحقيقة تقع في المنطقة الرمادية بين الطرفين، وهي منطقة قد تكون أخطر من الفشل نفسه، لأن الفشل يوقظ الأسئلة، بينما الرمادية تُنتج الاعتياد.

خلال العام الأخير، سُجلت إنجازات لا يمكن إنكارها على مستوى البنية الإدارية للدولة. فقد شهدنا تحسينًا في بعض الإجراءات، وتسريعًا في المعاملات الحكومية، وانتقالًا تدريجيًا نحو الرقمنة، إضافة إلى محاولات جادة لضبط الإنفاق، وإعادة ترتيب أولويات العمل العام. هذه خطوات مهمة من حيث المبدأ، وتعكس وعيًا متزايدًا بضرورة تحديث أدوات الحكم، لا الاكتفاء بإدارة الأزمات.

كما برز حراك في ملفات البنية التحتية، والطاقة، والنقل، وبعض المشاريع الخدمية التي طال انتظارها، إلى جانب سعي واضح لبناء إطار مؤسسي أكثر انتظامًا، يقلل من الارتجال، ويعتمد التخطيط متوسط وطويل الأمد بدل الحلول المؤقتة. وهي مقاربات صحيحة نظريًا، وتؤسس لمسار أكثر عقلانية في إدارة الدولة.

لكن، وعلى الرغم من ذلك، بقي الأثر المباشر لهذه الإنجازات محدودًا في حياة الناس اليومية. فالمواطن لا يقيس الأداء الحكومي بعدد الخطط، ولا بحجم الاجتماعات، ولا بعدد الاتفاقيات الموقّعة، بل بما يلمسه في معيشته، وفرص عمله، واستقراره الاقتصادي، وثقته بالمستقبل. وهنا تحديدًا ظهرت الفجوة بين ما أُنجز إداريًا، وما لم يُترجم اجتماعيًا.

الأكثر إرباكًا في المشهد العام هو غياب منظومة واضحة للتقييم والمساءلة. فلا جداول زمنية منشورة للمشاريع المعلنة، ولا مؤشرات أداء قابلة للقياس تُعرض على الرأي العام، ولا سردية حكومية متكاملة تشرح ما أُنجز، وما تعثّر، ولماذا. وبهذا، يبقى المواطن مطالبًا بالثقة، من دون أن تُمنح له أدوات الفهم أو المحاسبة.

المشكلة، في جوهرها، لم تكن في غياب الجهد، بل في ضعف السردية السياسية المصاحبة له. كثير من القرارات اتُّخذت دون شرح كافٍ، وكثير من الملفات أُديرت بصمتٍ فُسّر على أنه تردد أو انفصال عن الشارع. وفي زمن تتسارع فيه المعلومة، لم يعد الصمت فضيلة سياسية، بل عبئًا يفاقم فجوة الثقة.

والدرس الأهم من هذه التجربة أن الحكم لم يعد يُقاس بالحفاظ على الاستقرار وحده، ولا بحسن النية، بل بالقدرة على إحداث فرق محسوس، ولو تدريجيًا، في حياة المواطنين. فالدولة الحديثة لا تُدار بمنطق “الصبر الشعبي”، بل بمنطق الشراكة، حيث يشعر الناس أنهم جزء من الحل، لا مجرد متلقين للنتائج.

إن إنجازات الحكومات موجودة، لكنها لم تُروَ كما يجب، ولم تُترجم كما ينتظر الشارع. وبين هذا وذاك، يبقى التحدي الحقيقي ليس في تعداد ما تحقق، بل في تحويله إلى ثقة عامة، لأن أخطر ما قد تواجهه أي دولة ليس النقد، بل الاعتياد فالسياسة، في النهاية، لا تُقاس بحسن النيّات ولا بكثافة الخطاب، بل بما يُنجز، وما يُفسَّر، وما يُحاسَب عليه.

* د. رائد قاقيش/ كاتب وباحث ونائب سابق.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :