دجاج البرمنغو المسرطِن .. يغزو أسواق الواق واق
محمود الدباس - أبو الليث
27-12-2025 11:49 AM
في بلاد الواق واق.. لا تُقاس هيبة الحكومات بقوة خطاباتها.. بل بقدرتها على ملاحقة الفساد حين يُشار إليه.. وعلى حماية المواطن حين يُدق ناقوس الخطر.. فالحكومة التي تتأخر في التفتيش.. وتتهاون في المتابعة.. وتطنش الخبر.. وتترك الملفات معلّقة بلا جواب.. تتحول تدريجياً إلى شاهدٍ صامت على ما يجري.. لا فاعلٍ يحسم.. ولا مرجعٍ يُطمئن..
هكذا بدأت قصة دجاج البرمنغو المسرطِن.. لم تبدأ في مختبر.. ولا في تقرير رسمي.. بل عند إبريق شاي على صوبة حطب.. حيث جلس أبو خلف.. رجل عادي لا يحمل صفة ولا منصباً.. أخذ على عاتقه فضح الامر.. فأمسك هاتفه.. وكتب جملة واحدة "دجاج البرمنغو المسرطِن يغزو الأسواق"..
من سوء حظ الحكومة.. أن المنشور لم يبقَ في مكانه.. سافر بسرعة الضوء إلى يد ناشط على وسائل التواصل الاجتماعي.. ثم إلى آلاف الشاشات بعد أن قام بمشاركته على حسابه.. وتحوّل من رأي إلى خبر.. ومن خبر إلى خطر..
الجمعيات المدافعة عن المواطنين دخلت المشهد.. لم تجرؤ على الصمت.. فبدأت تحض الناس على التأكد.. من أن ما يشترونه ليس من سلالة البرمنغو المسرطنة.. والذي صار كائناً متخفياً بين الدجاج في المحلات..
ولأن الفراغ لا يبقى فارغاً.. خرج معارض على الهواء.. يفجر قنبلة من الكلمات الثقيلة.. قال إنه يعلم عن الامر منذ فترة قصيرة.. وإن الخيوط بدأت تتجمع لديه.. وإن متنفذين ورجال دولة متورطون.. وإن مؤسسة حساسة سهّلت لهم.. وإن مؤامرة تُحاك ضد المواطنين البسطاء.. الذين لا يملكون إلا شراء هذا الدجاج الرخيص.. لم يقدم دليلاً.. لكنه قدم ما هو أخطر.. سردية جاهزة تتغذى على انعدام الثقة..
وكالعادة.. بعد يومين.. تذكرت حكومة الواق واق أن تتكلم.. خرج ناطقها الرسمي وقال ست كلمات فقط "لا يوجد شيء اسمه دجاج البرمنغو".. ست كلمات متأخرة.. وعلى الرغم من جزمها وقوتها.. فقد كانت بلا تحقيق معلن.. بلا محاسبة.. بلا ملف مفتوح.. فقد كانت كلمات سقطت في فراغ أكبر من صوتها.. فلم يلتفت لها أحد.. لأن مَن اعتاد تجاهل الحقيقة.. لا يُصدَّق حين ينفي الوهم..
المشكلة هنا ليست في "أبو خلف".. ولا في الناشط.. ولا في المُعارض.. المشكلة في حكومة تركت قضايا فساد حقيقية تتراكم دون جواب.. وملفات تُفتح في الإعلام.. ولا تُغلق في القضاء.. فصار الناس يخلطون بين الصدق والتهويل.. وبين الحقيقة وركوب الموجة.. وصار أي منشور قابلاً لأن يتحول إلى قضية رأي عام..
لو أن حكومة الواق واق عالجت ما يُثار بجدية وصدق.. لو خرجت ببيانات مفصلة.. بإجراءات واضحة.. بمحاكمات حقيقية.. وبأسماء معلنة.. لكانت ست كلمات كافية لإسكات ألف إشاعة.. لكن حين يغيب الفعل.. لا تنفع الكلمات.. وحين يضيع العدل.. يصبح الكذب أكثر إقناعاً..
في بلاد الواق واق.. دجاج البرمنغو غير موجود.. نعم.. لكن ما هو موجود أخطر بكثير.. فراغ.. صمت.. وتاريخ طويل من التغاضي.. وهي السلالة الاخطر.. ألتي تجعل الناس يصدقون أي شيء.. ويكذبون كل شيء.. فهل تدرك الحكومة.. أن أخطر ما يواجهها ليس إشاعة.. بل فقدان الثقة؟!..