هل ستنجح الضربة الإسرائيلية الجديدة لإيران؟!
أ.د أحمد بطَّاح
27-12-2025 01:19 PM
تناقلت الأنباء هذا الأسبوع أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو سوف يقدم للرئيس الأمريكي ترامب مبررات ضربة عسكرية جديدة تنفذها إسرائيل لإيران، والواقع أنّ إسرائيل ما زالت تعتقد أن إيران تشكل خطراً وجودياً كامناً بالنسبة لها ليس فقط بسبب تزعمها بما يُسمّى المحور الإيراني في المنطقة (حماس، حزب الله، الفصائل العراقية، الحوثيون)، بل لأنّ إيران تطور قوة صاروخية كبيرة أثبتت أهميتها في حرب الـ (12) يوماً التي دارت بين إسرائيل وإيران، وإذا تذكرنا أن الاستراتيجية الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر تقوم على مهاجمة الخصم قبل أن يستعد ويطور إمكانياته فإنّنا يمكن أن نتفهم مدى رغبة إسرائيل في ضرب إيران قبل أن تستكمل استعداداتها لجولة جديدة.
ولكن... وبغض النظر عن الدعم الأمريكي الذي سوف يطلبه نتنياهو من ترامب، وبغض النظر عن إمكانيات سلاح الجو الإسرائيلي الكبيرة والتي أثبتت أهميتها في الجولة السابقة فإن من غير الممكن أن تحقق إسرائيل أهدافها من الجولة الجديدة وذلك للاعتبارات الآتية:
أولاً: أنّ القوة الصاروخية الإيرانية المتوفرة الآن لدى إيران (تُقدّر بألف خمسمائة صاروخ) كبيرة ولا يمكن تدميرها، وإذا أخذنا بالحسبان أنها موجودة في أماكن مُحصّنة، وأن بالإمكان تغذيتها باستمرار فإنّنا ندرك صعوبة هذه المهمة.
ثانياً: أنّ إيران قد نجحت بالفعل في تكنولوجيا الصواريخ وبالذات "الفرط صوتية"، ولذا فإنّ من الصعوبة إن لم يكن من الاستحالة قتل التكنولوجيا فهي في النهاية معرفة إنسانية متوفرة لدى كوادر بشرية مؤهلة لا يمكن القضاء عليها بصورة كاملة.
ثالثاً: أنّ إيران تتمسك بحقها في تخصيب اليورانيوم من أجل استخدامه لأغراض سلمية وهو حق طبيعي تكفله القوانين الدولية، ولا تستطيع الدول الغربية وإسرائيل إنكار هذا الحق لإيران، والأخطر من ذلك أنها هذه الدول لا تعرف أين ذهبت إيران بالكمية المًخصّبة فوق نسبة (%60) التي كانت قد خصبتها وخبأتها بالفعل قبل الهجوم الإسرائيلي الأمريكي الأخير عليها.
رابعاً: أنّ لا أحد يعرف على وجه التحديد مستوى الضرر الذي ألحقه الهجوم الإسرائيلي الأمريكي الأخير على إيران برغم تصريحات ترامب أن الهجمة الأمريكية بالذات قد دمرت الإمكانيات النووية الإيرانية نهائياً، وهو ما شككت به دوائر الاستخبارات وبعضها أمريكي!
خامساً: أنّ من المتوقع أن تكون إيران مُحصّنة أكثر هذه المرة ضد الهجوم الإسرائيلي (وحتى الأمريكي إذا شاركت الولايات المتحدة) إذْ من الواضح أن إيران حَسّنت من دفاعاتها الجوية وحتى من قوات الطيران الخاصة بها (عقدت اتفاقيات بهذا الشأن مع روسيا والصين) بعد الضربة الإسرائيلية الأمريكية الأخيرة، ومن الواضح أيضاً أنها سوف تحاول تحصين جبهتها الداخلية من خلال محاصرة الاختراقات الأمنية الفاضحة التي عانت منها خلال الضربة الأخيرة، والتي تسببت في خسارتها لعدد من قياداتها العسكرية وخبرائها في المجال الذري.
سادساً: أنّ إيران سوف تكون أكثر كفاءَة في ضرب العُمق الإسرائيلي بقواتها الصاروخية الأمر الذي سوف يتسبب في خسائر أكبر للاقتصاد الإسرائيلي، كما سوف يُوضّح مدى هشاشة الجبهة الداخلية الإسرائيلية (التي عانت كثيراً خلال السنتين الماضيتين)، ولنتذكر أنّ إسرائيل هي التي طلبت وقف إطلاق النار في الجولة الأخيرة.
سابعاً: إنّ من غير المستبعد أن يشارك حلفاء (أو وكلاء إيران إن شئت) في هذه الجولة إن نشبت وبالذات حزب الله الذي يعاني ما يعانيه من تضييق داخلي عليه لتسليم سلاحه للدولة، وكذلك الفصائل العراقية التي تدين بالولاء لإيران (كحزب الله العراقي، وحركة النجباء مثلاً) وذلك فضلاً عن الحوثيين في اليمن.
إنّ الضربة الإسرائيلية لإيران شبه مؤكدة، وهي بالتأكيد لن تحدث بدون ضوء أخضر أمريكي، ولكن من غير الغريب أن يحصل نتنياهو عليه من ترامب في ضوء انسداد الأفق السياسي بين إيران والولايات المتحدة بل بينها وبين الدول الأوروبية (1+5) والوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولكن المؤكد أنّ إسرائيل وحتى لو شاركتها الولايات المتحدة لن تستطيع القضاء على القوة الصاروخية الإيرانية قضاءً مُبرماً، وقد تستطيع إعاقة المشروع النووي الإيراني ولكنها لن تستطيع استئصاله نهائياً، وقد تستطيع تحجيم حلفاء (وكلاء) إيران في المنطقة ولكنها لن تستطيع القضاء على فكرة المقاومة التي يرفعها نهائياً فهذه الأخيرة (أيّ المقاومة) مرتبطة بسبب موضوعي هو الاحتلال الإسرائيلي، فحيث هناك احتلال هناك مقاومة بالضرورة، سواء أوجد الدعم الإيراني أو لم يُوجد.
ويبقى أن نشير إلى حقيقة بسيطة هي أنّ إيران دولة إقليمية كبيرة لا يمكن إسقاطها من الحساب، ولعلّ من الأفضل -إذا أُريد للسلام أن يسود- التفاهم معها على قواسم مشتركة تمثل مصالح جميع الأطراف الفاعلة في المنطقة، والإقليم، والعالم.