facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الدين والفضاء العام


محمد حسن المومني
28-12-2025 01:10 PM

لماذا يتحول الجدل السنوي المتكرر حول المناسبات الدينية والاجتماعية كالاحتفال بالكريسماس من اختلاف عقدي محدود إلى أزمة اجتماعية تستدعي تدخلًا رسميًا؟ هذا السؤال لا يتعلق بالمناسبة نفسها، بقدر ما يكشف خللًا أعمق في طريقة انتقال اليقين الأخلاقي الفردي إلى الفضاء العام دون إدراك لقواعده أو تبعاته. فما نشهده ليس فورة عاطفية عابرة، بل نمطًا متكررًا لاصطدام قناعات مطلقة بمنطق الدولة والمجتمع.

في هذا السياق، يصبح من الخطأ تصوير تدخل الدولة بوصفه استهدافا للدين أو قمعا للحريات. فالدولة لا تحاكم العقائد ولا تصادر النيات، بل تمارس واجبها في حماية السلم الأهلي ومنع تأزيم الفضاء العام، خصوصا حين تتحول المناسبات الدينية أو الاجتماعية إلى اختبارات ولاء أو صدامات رمزية. فالمجال العام لا يدار بمنطق الوعظ، بل بمنطق القانون الذي يوازن بين الحرية والاستقرار.

غير أن جوهر الإشكالية لا يبدأ عند الدولة، بل قبل ذلك بكثير. فاللافت في الحملات المرتبطة بسجال الكريسماس أنها لا تقوم على نقاش فقهي رصين أو اجتهاد علمي متزن، بل تعتمد خطابا تبسيطيا تحريضيا، يعيد فرز المجتمع إلى ثنائيات، ويختزل التنوع الديني والاجتماعي في صراع مصطنع يتحول حينها الدين من منظومة قيم جامعة إلى أداة تعبئة سريعة، تستثمر لإنتاج شعور زائف بالبطولة الأخلاقية.

وتتضاعف الخطورة حين يجري استثمار هذا الاندفاع من قبل تيارات منظمة تعمل على توجيه حماسة الشباب لخدمة اجنداتها السياسية، دون أن تتحمل كلفة المواجهة، تاركة الأفراد في الواجهة وحدهم في صدام مباشر مع الدولة والرأي العام. في هذه اللحظة، يصبح الدين وقودا لأزمة لا يديرها أصحابها، بل تدار من خلفهم.

أما أصل الخلل الحقيقي، فيكمن في منظومة التعليم الديني، التي لا تزال في كثير من مفاصلها تنتج يقينا فقهيا منفصلا عن الواقع. فهناك من يحفظ الحكم الشرعي، لكنه يجهل فلسفة الدولة، ويتقن النصوص دون إدراك سياقاتها ومآلاتها. وعندما يتورط أكاديمي أو خريج شرعي في خطاب إقصائي أو تأزيمي، فالمسألة لا تتعلق بشخصه، بل بمسار تعليمي يحتاج إلى مراجعة جادة.

إن الخلل هنا مركب؛ موروث يُدرس بمعزل عن سياقه التاريخي، ونصوص تُقرأ خارج مقاصدها، وتكوين أكاديمي يعزل الطالب عن تعقيدات المجتمع والدولة ثم يلقى به في فضاء عام شديد الحساسية. والنتيجة يقين أخلاقي صلب، غير مدرب على التعدد، سهل التوظيف في أي صدام رمزي عابر.

والخلاصة أن الاكتفاء بإدارة هذه الظواهر من الزاوية الأمنية يعني إطفاء الحرائق دون معالجة أسباب اشتعالها. فالفشل في الإصلاح التربوي هو الأعلى كلفة على المدى البعيد. الدين حين ينتزع من سياقه المجتمعي يتحول من قوة توازن إلى مصدر توتر، ومن دون مراجعة جادة لكيفية تعليمه وتأهيل خطابه، ستظل هذه الأزمات تتكرر، وسيظل الإجراء القانوني مهما كان ضروريا هو الحل الأخير لما كان يمكن منعه من الأصل.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :