المملكة الأردنية الهاشمية، جوهرة تعلو جبين الزمن، تاريخها عريق متجذر، حضارتها نتاج أقوام أشداء، قهروا الجبال ونحتوا الصخور وأسسوا مجتمعات، شكلت دولا خالدة، ومدائن زاهرة، أصبحت بجدارة من عجائب الدنيا بامتياز، وحباها الله موقعا جغرافيا عالميا كما هو القلب من الجسد، وعطرها بطهر القداسة بالأرض المباركة، وكرمها أن تكون سهولها وروابيها أرض الحشد والرباط.

المملكة الأردنية الهاشمية، حاضرها عصري متمدن، أعزها الله بنظام هاشمي حاكم، سماته الانسانية والعدالة، ونهجه الدؤوب الرفعة والبناء، يغذ الخطى لقهر الصعاب، ليضمن سلامة المسيرة، ومناعة الوطن، ليكن الأنموذج والمثل الذي يحتذى ليس في الوطن العربي فحسب بل في العالم أجمع، وقد تحقق هذا، وأصبحنا نرى على خريطة العالم بأكبر مما نحن عليه جغرافيا، وأثبت هذا النظام السياسي الموروث كابرا عن كابر، أنه مرجعية يلجأ اليه جهابذة السياسة في كبرى مدن العالم عندما تدلهم الخطوب، وتشتد المحن، هذا النظام الملكي الهاشمي الذي اختارته الأمة العربية يدافع عن حقوقها في المحافل الدولية، يصونها ويعلي شأنها، فكان هو لسان الحق والعدالة والجرأة الموصوفة.

المملكة الأردنية الهاشمية، بها شعب واعٍ، متعلم مثقف متجانس، نسيجه متماسك، عصي على الاختراق، متمسك بعقائده السماوية، وملتزم بعادته وتقاليده، التي لا انفصام لها أهله نبلاء تميزوا بالكرم، هاماتهم عالية، أنوفهم شماء، رؤوسهم لا تنحني الا لله، عطاؤهم مشهود على مستوى الوطن العربي كله، وبصماتهم في شتى الدول العربية، تشهد لها الأجيال التي ارتوت من غزير علمهم، أعطتهم العلم ونشرت بينهم المعرفة واحترفوا المهن وأبدعوا دون منّة، مخلصون في أداء الواجب على كل مستوى، يرفضون السفوح ويجلسون على هام القمم.

ولكن مع كل هذه الصفات السالفة الذكر، يظهر من بين ظهرانينا من يرتكب أخطاء غريبة علينا ويسلك سلوكا غير مبرر، تشمئز منه النفوس، وتأباه كل نفس رضية، وتنكره كل أم غذت ابنها بطهر حليبها لينمو من بذرة خير الى شجرة عطاء وارفة ظلالها، دانية ثمارها، ظل ظليلها، ويرفضها كل أب كد واجتهد وكافح، ليسد رمق الجوع وينتقل بفلذات كبده من الجهل الى العلم، ومن الفقر الى الغنى ومن ظلمات الحياة الى نورها، يكرهها كل شهيد نزف دمه ولفظ روحه ذوداً عن حياض الوطن، عن أرضه وعرضه وشرف أمته وكرامتها، (ننكره ونرفضه ونكرهه) هذا السلوك الغريب علينا الذي نراه الآن يحدث ويتكرر حدوثه ويقودنا الى غير ما نحن عليه والى غير ما هو معروف عنا، ليجعلنا مضغة على لسان كل عدو شامت أو عدو يتربص بنا الفرقة والتمزق اللتين تقودان الى الضعف والاستسلام.

المطالبون بالاصلاح، الممتطون صهوة الشارع، المستخدمون الحناجر والأفواه لغير ما خلقت له، المضلون للبسطاء، المستغلون أهل الفقر والحاجة، المطالبون بالشروط المعجزة والممعنون بها، الرافضون للحوار والمبتعدون عن المشاركة، الذين لا غاية لهم الا المناكفة، وأكبر دليل على هذا كله، أن جلالة الملك قد وثب بالاصلاح وثبة لا مثيل لها الا عند الأسود، والأسود هم رجال الوطن الصادقون الأوفياء، الذين شاركوه هذا الوثبة الاصلاحية الطوعية، المنسابة انسياب المياه، لا يثنيها ولا يوقفها أحد، والغالبية الساحقة من هذا الشعب الطيب تؤيد وتؤازر وتناصر ولن تتوقف عند عويل هنا أو صراخ هناك، (وأؤكد هنا أن المشكلة تكمن بالوعي وليس بالوطنية والولاء والانتماء).

الاعتداء على الصحافة وأهل العلم، الموصوفون بالسلطة الرابعة، ونضيف عليها أنها السلطة الرابحة، وستبقى كذلك لنبل رسالتها، وطهارة غاياتها، وصدق مناهجها، الهادفة لكشف الخبايا، وابطال زيف الزائفين، وتحجيم المتنطعين، ونزع قناع الماكرين، هذه السلطة أصدقاؤها هم الشرفاء، وأعداؤها هم أهل الفساد والالتواء، فكل من اعتدى عليها هو بقائمة أعداء (العدالة والنزاهة والشرف). وجب عقابه ليطيل المكوث في مكانه الطبيعي، وأؤكد أن العقوبة الأشد هي على ذاك الانسان المختبئ في احدى الزوايا، الدافع للأموال المغري للعباد للقيام بالاعتداء، فلا سكوت بعد اليوم حتى اطفاء هذه الظاهرة الدخيلة على مجتمعنا، وهي مستوردة اما نقلا واما تقليدا وفي كلا الأمرين وجب اجتثاثها لضمان عدم تكرارها.

الاعتداء على الأطباء والممرضين، هؤلاء هم حملة الرسالة الانسانية، المواسين لأكرم خلق الله، الفاقدين للراحة، الذين تنكر عيونهم النوم، وتتجافى جنوبهم بحثا عن أمل يزرعونه في قلب أم رؤوم، تنتظر شفاء وليدها، هؤلاء الذين يعطون ولا يأخذون، فكيف يُضربون؟! وأي منطق على وجه الأرض يقبل هذا، وأي حصانة هذه التي لا تؤمن لهم الحماية، وكيف نحن الشعب لا نهب الى انهاء هذه الظاهرة، وكيف القضاء لا يبت في مثل هذه الحالات على وجه السرعة زيادة في الردع، ومساهمة بالاجتثاث، اذا كنا نقبل أن يعامل أهل العلم وأهل الانسانية بالضرب والايذاء فاقراء علينا السلام، ولنحاسب أنفسنا من الأساس، كيف تربينا وبأي بيئة عشنا ونشأنا وترعرعنا وتغذت أفكارنا، فهؤلاء الذين يعتدون أساءوا سمعة الوطن واعتدوا على حقوق الآخرين، فقد آن الاوان أن تعطي السلطتان التنفيذية والقضائية هذه الظاهرة التي زاد تكرار حدوثها حزما وعزما وتصميما على علاجها العلاج الناجع، الذي تختفي به ولا تظهر للعيان مرة أخرى.

العنف بالمدارس والجامعات وفي المجتمع، أماكن العلم هذه أوجدت تنفيذا للأمر الالهي اقرأ، لنتعلم ونهذب النفوس، ونرتفع بها الى سمو الروح والحياة، نأخذ منها أسباب الخير، لنزهو بالفضائل، ثم نعطي بأكثر مما نأخذ، ننهل من العلوم لنرفد الوطن، ونضخ بشرايينه الحياة، ليفخر بنا التراب ونحن أحياء، ويزهو بنا وهو يضم رفاتنا، بأننا لم نبخل عليه بما طلب أو بما يطلب، بنفس رضية وعقل نير وعين مبصرة، لم تنشأ دور العلم من أجل التكتل والشللية والعصبية والاقليمية والجهوية فهذه ظاهرة حديثة جدا على مجتمعنا الأردني الشهم الأبي، تكاد تكون حديثة الولادة فلنقتلها في مهدها، بوعينا وتكاتفنا وتضامننا وتماسك أسرنا وبهيبة واجلال الشيوخ بيننا الذين يأبون هذه الظاهرة أن تكون سمة في أبنائهم وأحفادهم.

تزايد المسنين والعجزة في مراكز الايواء، هي لزام على الدولة وواجب عليها، أن تكفل للانسان حقه في العيش الكريم لمن آلت حالهم الى هذه الأحوال، ولكنها مرفوضة شرعا وخلقا وأدبا وعادات وتقاليد وبكل لغات الأرض ومن كل أهل الشرف والمروءة أن يزج الأبناء بوالديهم بهذه المراكز تخلصا منهم تحت ذرائع واهية لا يقبلها الله ولا كل ذي مروءة، فالذين يفعلونها هم ملعونون، ومن أراد أن يعرف مرارتهم وحرمانهم فليستمع الى أحاديثهم ورواياتهم عما فعلوه أبنائهم بهم.

والله أن العين لتدمع وتذرف الدمع الغزير وان القلب يتفطر من هول ما يرى ويسمع.

حمى الله الأردن وشعبه ومليكه.

abeer.alzaben@gmail.com

(الدستور)