لا تلتقي بشخص في الأردن إلا ويشتكي من عدم تبوّئه للمكان الذي يستحق، أو الدرجة التي حان قطافها، أو الفرصة التي كانت له وصارت لغيره. في هذه الشكوى كثير من الحق،وإن كان فيها أحياناً شيء من المبالغة. ولكن الأهم من الحقوق الضائعة هو أننا نفتقد إلى تقاليد وطقوس لائقة وثابتة في مجال استبدال إنسان بآخر،أو كاتب بكاتب،أو مدير بمدير، أو حتى زوجة بأخرى!

لا نعرف حتى الآن كيف نقول:شكراً لك يا فلان فلقد أبدعت في مجالك وقد آن أوانك لتستريح،ولكن بالطبع بعد أن نقيم لك حفلاً وداعيّاً تكريمياً، ندعو لحضوره قائمة تكتبها بنفسك! ونتمنى أن تُعلِم شركة السياحة الفلانية بالوجهة التي تحب أن تسافر إليها وفيها تودع سنوات الضغط والتضحية التي ضحيتها. وأهم من هذا وذاك أن استبدالك سيكون بعد ستة أشهر من الآن كي تتمكن من ترتيب أمورك المالية والصحية والبنكيّة!!

هذا نمط إحتفاء غربيّ بالطبع، فعندنا يُستكثر على من أشغل موقعاً ما، مجرّد أن يلملم أوراقه وأغراضه وصور أولاده الموجودة تحت زجاج المكتب...بكل بساطة تقوم بعض جهات القطاع الخاص على سبيل المثال-فلا حصر في هذه الآفة - تقوم بإيقاف البريد الإلكتروني وصلاحية المفاتيح فور تبليغ الشخص بإنهاء خدماته،بل أنني حاولت مواساة زميلة عملت مديرة في مجال إعلامي،؛ حيث عادت إلى بيتها بالتاكسي بعد مباغتتها بسحب سيّارة العمل، ولم تتمكن من حمل أوراقها فاستعانت بصاحب الصيدلية المجاورة!

نسمع اليوم عن زملاء كتّاب وكاتبات من العيار الثقيل - وسأفصّل في هذا قريباً - أُخرِجوا من صُحفهم عن طريق مكالمة مُحايدة من مأمور المقسم،أو من زميل أو زميلة من المُستجدّين على المهنة... بعض هؤلاء المُبدعين أمضى في زاويته-أو في عمودها- أعواماً ذهبية حملت معها اسم الجريدة وموقعها الإلكتروني عالياً.

المؤلم في الأمر أن هؤلاء المطرودين على حين غرّة، بتعبيرنا الأردني «ع أبو غفلة» سيعانون طويلاً ليس فقط من الصدمة النفسية الطبيعية التي تنجم عن التقاعد او إنهاء الخدمات، ولكن سيعانون أكثر من الحرج الاجتماعي الناجم عن الهمهمة والبلبلة حول الأسباب الحقيقية التي (روًحوه) أو (كحشوها) بسببها.فأُمُّهُ تعيسةٌ من أقدم من هؤلاء على المشاركة ببيت عزاء أو بعرس؛ حيث سيجد عبارات العزاء وكأنه فقد عزيزاً أو كأنها - إن كانت امرأة - قد بُلّغت بطلاقها. عبارات من مثل: «كلنا لها»، لو دامت لغيرك ما وصلت لك! حتى ليتمنى المرء لو تنشق الأرض وتبلعه وتبلع الغبي الذي يُعزّيه.

بعضنا وهذا أخطر ما في الأمر - لا يمتلك من القوّة الداخلية والإيمان بالذات ما يعينه أو يعينها على مواجهة الحياة بعد ان يُنتَزَع منه ما اعتاد عليه. إن بعض رؤساء العمل لا يستطيع أن يفهم أن الإنسان بحاجة لتمرين حقيقي وطويل قبل أن يُصدّق أنه لن يرى ذلك المكتب أو تلك الساحة او الشارع مرة أخرى-فضلاً عن الزملاء ورفاق العمر!! لن يعرفوا ذلك الشعور إلا عندما يقوم مدير جديد بطردهم بنفس السيناريو..ألم أقل لكم بأننا نفتقد إلى تقاليد مُحترمة في هذا المجال؟


الرأي