عمون - قلما تجد مرجعية إسلامية أردنية تحظى بثقة الناس ولها موقعها بين علماء المسلمين مثل الشيخ الدكتور نوح سلمان القضاة الذي كسب قلوب الناس وثقتهم من خلال القدوة العملية في المؤسسات التي بناها وعمل فيها.

ظل يُنظر إليه عالما عاملا بعيدا عن الخلافات السياسية أوالمذهبية ، يحبه الرسميون والمعارضون على السواء وذاع صيته خلال عمله مفتيا للقوات المسلحة الاردنية التي استطاع خلالها تحويل الإفتاء إلى مؤسسة منضبطة تعمل بكفاءة حتى اليوم.

الشيخ القضاة حاصل على درجة الدكتوراه في الفقه المقارن وشغل موقع قاضي القضاة اوائل تسعينيات القرن الماضي انتقل بعدها للمواقع الدبلوماسية سفيرا للاردن في العاصمة الايرانية طهران وكان قبل كل ذلك مفتيا للقوات المسلحة ومحاضرا في عدد من الجامعات الاردنية فيما يشغل الآن موقع مفتي عام المملكة.

له مؤلفات عدة منها "المختصر المفيد لشرح جوهرة التوحيد" ، "قضاء العبادات والنيابة فيها" ، "لم تغب شمسنا بعد" ، "ابراء الذمة من حقوق العباد" وغيرها.

في كل المواقع التي شغلها ظل الشيخ هو هولم يتغير ولم يتوان عن آداء رسالة العلماء سواء أكان ذلك في المواقع الرسمية او على المنابر وفي مجالس العلم بمساجد المملكة.بسماحة ودفء العلماء استقبل الشيخ نوح "الدستور" في مكتبه والتي حاورته في عدد من القضايا والمحاور المتعلقة بعمل دائرة الافتاء فكان لنا معه هذا اللقاء.

الدستور: لوتحدثنا بداية عن عمل دائرة الافتاء العام ومهامها؟.

ـ العمل الرئيس للدائرة هو بيان الحكم الشرعي لمن يسأل عنه ، وهذا هومعنى الإفتاء شرعاً ، وإلى جانب هذا يقوم المفتون بمشاركة إخواننا في وزارة الأوقاف بالوعظ والإرشاد من خلال خطب الجمعة والتدريس في المساجد.

ودائرة الإفتاء قديمة في هذا البلد الطيب ، فنواتها الأولى وجدت بتعيين أول مفتْ للملكلة في أيام الملك عبد الله الأول رحمه الله ، إذا كان المفتي الشيخ حمزة العربي.. وخلال السنتين الأخيرتين التي استقلت بها دائرة الإفتاء عن وزارة الأوقاف تم تعيين مفتْ في كل محافظة ، كما تم تعيين عدد من المفتين والباحثين ليتمكنوا من إجابة المواطنين عن أسئلتهم الدينية والتي ترد إلينا من خلال زيارة المواطن الشخصية وتقديم السؤال للمفتي عن الموضوع الذي يواجهه اومن خلال الاتصال الهاتفي ، وهذا يريح المواطن فيجيبه المفتي إن كان الأمر عادياً لا يحتاج إلى تفصيل كما تقوم الدائرة بتلقي الاسئلة عبر الرسائل القصيرة (SMS) والتي يأتينا فيها مئات الأسئلة ونجيبهم بنفس الطريقة واخيرا من خلال الموقع الإلكتروني: (www.aliftaa.jo) والذي نُسأل بواسطته من داخل المملكة وخارجها.

وبهذه الوسائل نتواصل مع قطاع عريض من المجتمع بحيث بلغ عدد ما يصدر عن الدائرة من إجابات يومية (1000) إجابة ، وفيما بعد شهر رمضان تتراوح الإجابات ما بين 500( - )600 إجابة يومياً ، وهذا يدل على اهتمام الناس بأمر دينهم ، وعلى ثقتهم بدائرة الإفتاء من جهة أخرى.

الدستور : يلاحظ خلال الفترة الماضية تعدد المرجعيات الشرعية التي تتصدى للافتاء واختلافها على ذات القضية بشكل يقول البعض انه يسبب الارباك بين الناس؟.

ـ هذا ليس بالأمر الخطير: لأن الأصول (أركان الإيمان ، وأركان الإسلام ، والعبادات الرئيسة) متفق عليها بين الأمة الإسلامية ، والخلاف في الفروع وتطبيقات بعض المسائل وتعدد الفتوى لا بد منه ، فالصحابة - رضوان الله تعالى عليهم - اختلفوا في بعض المسائل ، ومن كان مطلعاً على الفقه وأصوله يرى أن هذا الخلاف دليل خير وبركة للأمة الإسلامية: لأن سبب الخلاف يكون اما لاختلاف وجهات النظر في معنى الآية أوالحديث اوالاختلاف في ثبوت بعض الأحاديث اواختلاف فهم الفقيه للواقعة ، فكل إنسان ينظر من زاويته واخيرا اختلاف الأعراف التي يبنى عليها الحكم من زمن لآخر.

هذه أهم أسباب الخلاف وهي لا تشكل إزعاجاً للفقيه ، ولكن دأبت دور الإفتاء أن تلتزم بمذهب من مذاهب أهل السنة ليكون مرجعاً للمفتين مع احترام بقية المذاهب ، ففي السعودية يلتزمون بالمذهب الحنبلي ، وفي سوريا يلتزم المفتون بالمذهب الحنفي ، فرأينا أن يلتزم المفتون في المملكة الأردنية الهاشمية بالمذهب الشافعي: لأنه مذهب غالبية أهل البلد ، كما أنه مذهب أهل الحديث ، فأصحاب الكتب الستة شافعيون ، وكذلك كبار علماء الحديث: والمذهب الشافعي جمع بين الرواية والدراية ، فإذا ضاق المذهب الشافعي في مسألة أخذنا بغيره من مذاهب أهل السنة.

والمهم في هذا الامر هوكيفية التعامل مع الخلاف الذي لا ضير فيه في مرحلة البحث ولكن يتوجب في مرحلة اعطاء الراي الشرعي الذي سينفذ ويعمل به في القضية اوالموضوع المطروح حسم هذا الخلاف واعطاء الحكم الشرعي المستوجب النفاذ.

والخلاف نقطة ايجابية وليست سلبية وهي في صالح الناس ونحن نرى انه حتى في القوانين الوضعيه هناك خلاف على تفسيرها وهناك فرق بين الفقه القانوني والنص القانوني ما يتيح الخلاف بين هذا الرأي اوذاك.

ونؤكد هنا احترامنا لكل المذاهب الإسلامية فكلهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متلمس ، وفي البلد علماء في كليات الشريعة وغيرها يفتون بما تعلموه وعلموه في كلياتهم ولا نعترض عليهم ، والمسلم إذا عمل بقول أي مذهب من مذاهب أهل السنة فهوعلى خير إن شاء الله.

الدستور : اتفاقية سيداو اخذت حيزا كبيرا من النقاش على اكثر من مستوى بعد رفع الحكومة تحفظها عن بعض المواد. ما هوموقف الشرع من هذه الاتفاقية؟.

ـ اتفاقية سيداو فيها مخالفات واضحة للشريعة الإسلامية خاصة ما جاء في المادتين (15) و(16) منها ونحن نعارض ونستنكر كل ما يخالف الشريعة الإسلامية ، وأريد أن أبين للجميع أن رفع الحظر عنها كلها مخالف للشريعة الإسلامية.

وانا ارى ان المجتمع لن يتأثر بها لأن مجتمعنا مرجعيته أحكام الشريعة الإسلامية وليست أية اتفاقيات تخالف الشريعة ، وأقرب مثال على ذلك : أن كل بنات المسلمين إذا تزوجن يكون ذلك بموافقة الولي ، وأنه من النادر أن تتزوج امرأة بدون وليها لظروف خاصة.

ثم إن قانون الأحوال الشخصية مرجعيته الشريعة الإسلامية بموجب الدستور ، ولهذا نتوقع من إخواننا النواب أن يعارضوا هذه الاتفاقية عندما تطرح للمناقشة ( ولله عاقبة الأمور ): لأن قضايا الأحوال الشخصية هي علاقة بين الإنسان وربه ، فما أحله هوالحلال وما حرمه هوالحرام ، ولا يشفع للعبد بين يدي ربه القانون الوضعي الذي لا يستند إلى الشريعة الإسلامية.

الدستور : هناك حديث عن جواز اصدار فتوى لالغاء موسم الحج والعمرة هذا العام بسبب تفشي انفلونزا الخنازير ، ما هورأيكم بذلك؟.

ـ الحج والعمرة من فرائض الإسلام ، قال تعالى: ( وأتموا الحج والعمرة لله ) فلا يجوز منعهما بمجرد وجود مرض من الأمراض ، ولا يتم منعهما الا لأحد أمرين اولهما أن يستوطن البلاء لا سمح الله في الحرمين الشريفين وهذا لن يكون إن شاء الله ، لكن لوحدث وأفتى فقهاء الحرمين بناء على رأي الأطباء بعدم القدوم إلى المناسك وجب الامتثال عملاً بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مرض الطاعون: ( إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه ، وإذا وقع وأنتم بأرض فلا تخرجوا فراراً منه ) رواه البخاري.

والثاني أن يستوطن الوباء في قطر من الأقطار الإسلامية وهذا لن يكون إن شاء الله لأن أكل الخنزير والتعامل معه محرم في الشريعة الإسلامية ، فلو وقع هذا الوباء في قطر وحجرت الدولة في ذلك القطر على مواطنيها ، ومنعتهم من السفر جاز لهم حينئذْ أن لا يذهبوا للحج والعمرة.

أما أن يسمح لكل شخص أن يسافر حتى للبلدان التي وقع فيها البلاء ثم يمنع الذهاب للحج والعمرة فهذا صدّ عن سبيل الله واستهانة بأحكام الشريعة الإسلامية ولن يقع إن شاء الله.

الدستور : ما هو دور دائرة الافتاء في صياغة بعض القوانيين وخصوصا المتعلقة بالمعاملات والعلاقات بين الناس؟.

ـ نحن نرحب بعرض كافة القوانين على دائرة الافتاء قبل اقرارها لان الدستور الاردني نص على ان دين الدولة الاسلام وان الشريعة الاسلامية احد مصادر التشريع وليست المصدر الوحيد وهناك الكثير من القوانين المستندة الى الشريعة كقانون الاحوال الشخصية مثلا.

ومن اهم هذه القوانين قانون العقوبات وهو يتعارض مع الشريعة في دائرة ضيقة جدا تتعلق بالحدود الشرعية اذا ثبتت وفق شروط الشريعة الاسلامية وهي شروط صارمة تجعل تطبيق الحدود يتم بصورة نادرة لا تخيف الناس وما وراء الحدود يأتي التعزير وهوعقوبات يضعها ولي الامر بما يراه مناسبا واذا ما تم الاخذ بالحكم الشرعي في هذا القانون فان الفروع الرئيسة من قوانين الدولة تصبح متوافقة مع الشريعة الاسلامية وفي هذا فائدة كبيرة للبلد كون الامة الاسلامية لا تزال متشبثة بالشريعة وهي مقبولة بين الخصوم لانها حكم الله ما يشيع الارتياح والقبول بين الناس ويلبي حاجة النفوس.

ومن ناحية اخرى فان المطالبة بان تكون الشريعة الاسلامية المصدر الوحيد للقوانين لها ما يبررها خاصة بعد ما شهده العالم من كوارث اقتصادية دفعت العديد من المفكرين غير المسلمين يطالبون بتبني الفكر الاسلامي في الجانب الاقتصادي لانه الاضمن والابعد عن المغامرات الاقتصادية التي كانت سبب الخسائر التي لحقت بمختلف دول العالم.

الدستور: كيف يتم اختيار المفتين وهل هناك برامج مستمرة لتدريبهم؟.

ـ تم اختيار المفتين بموجب مسابقة ، وقد جرت مسابقتان لهذه الغاية ، وتقدم لها المئات ممن يحملون بكالوريوس فما فوق في العلوم الشرعية وقد أخذنا الأوائل ، وعينوا مفتين ، وقبل مباشرتهم للعمل يجلسون مع المفتين السابقين ليعرفوا كيف تعالج قضايا الإفتاء ، كما يشاركون في درس فقهي يومي تعرض فيه المسائل وتبين أحكامها ، وبعد ذلك يرسلون إلى مراكز عملهم ، ومن عسر عليه جواب اتصل بالدائرة ، وهم موفقون والحمد لله ، ويأتينا الثناء عليهم من كل المواطنين ، وفي نيتنا إن شاء الله إنشاء مركز لتدريب المفتين يشارك فيه الباحثون والكتاب ممن يحملون المؤهلات الشرعية وغيرهم ممن يرغب في معرفة طرق الفتوى ، ضمن خطة يراعى فيها مقدار الاستيعاب في هذا المركز.

الدستور: ما هورأيكم بالقنوات الفضائية الدينية؟.

ـ الحسنة لا تعرف الا بمقارنتها بالسيئة وحتى سنوات قريبة كانت التلفزيونات في اغلبها تقدم الفساد والبرامج التي تضر بالمجتمع ومع الثورة التكنولوجية وتزايد اعداد القنوات الفضائية ظهر ما عرف بالقنوات الدينية التي تقدم اضافة الى الفتاوى الاحاديث والبرامج المفيدة والمسلسلات الهادفة والملتزمة وهو امر ايجابي يسجل للقائمين عليها على الرغم من وجود ملاحظات على بعضها. ( الدستور - عمر محارمة)