لماذا شخصنة القوانين .. المحامي محمد غالب أبو عبود
mohammad
15-12-2011 11:23 AM
قبل هذه المقالة كنت وافيتكم بمقالتين تختصان بالدستور الذي هو النظام الأساسي وسيد القوانين. وسأفتتح مقالتي هذه بالتعرض الى ظاهرة خطرة جدا" وهي شخصنة القوانين التي يتم اصدارها احيانا من أجل التعاطي مع حالة واحدة.حيث أذكر أن والدي- القاضي والمحامي غالب أبو عبود- رحمه الله قد حدثني أنه وفي عام 1972 صدر قانون إستقلال القضاء رقم 49 لسنة 1972 لاغيا" لقانون إستقلال القضاء رقم 19 لسنة 1955 وتعديلاته.وقد نص القانون الجديد في المادة الثالثة منه(القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون) ونص في المادة الرابعة والعشرين(لا يجوز نقل القاضي من سلك القضاء الى وظيفة أخرى أو انتدابه لغير عمله او لعمل إضافي إلا بموافقة المجلس) أي المجلس القضائي.ونص في المادة الخامسة والعشرين(لا يجوز عزل القاضي أو اعتباره فاقدا"لوظيفته أو تنزيل درجته إلا بقرار من المجلس وإرادة ملكية).
وأفادني- رحمه الله- أن القانون اشتمل على مادة غريبة تسمح لوزير العدل إذ ذاك بالتنسيب لمجلس الوزراء بنقل من شاء من القضاة الى خارج السلك القضائي ولمدة شهر فقط. وقد أتاح هذا الشهر لوزير العدل نقل والدي الى خارج السلك القضائي نكاية من الوزير المشار اليه بوالدي في تلك الاونة مما رتب تغييرا" جوهريا" مس مختلف تفاصيل حياتنا وما زلنا حتى اليوم نعاني من ذلك السلوك النكائي بالقانون الذي أدى الى مظلمة كبيرة لحقت بوالدي وأ ثرت عليه طوال حياته العملية حتى وفاته رحمه الله.
وإمعانا"في التنكيل فقد كانت المادة محصنة" بحيث لا يجوز الطعن بالقرارات الصادرة بمقتضاها.
حيث نص القانون المشار اليه في المادة الرابعة والأربعين(أ-على الرغم مما ورد في هذا القانون أو في أي تشريع اخر ودون التقيد بالاحكام المتعلقة بالتعيين أو الإستغناء عن الموظفين أو تاديبهم أو نقلهم يقوم مجلس الوزراء بناء" على تنسيب وزير العدل بالاستغناء عن أي قاض أو نقله لدائرة أخرى وذلك خلال شهر من نفاذ هذا القانون. ب- تكون القرارات الصادرة بمقتضى الفقرة الاولى قطعية وغير قابلة للطعن أمام أي مرجع قضائي) ! ورغم تعديل القانون بالقانون المعدل رقم57 لسنة 1972 وبالقانون المعدل رقم 18 لسنة 1975 وبالقانون المعدل رقم 14 لسنة 1977 وبالقانون المعدل رقم 50 لسنة 1977 وبالقانون المعدل رقم 25 لسنة 1981الا أن المادة 44 لم يطلها التعديل أو الالغاء مع انه أصبح لا ضرورة لوجودها بعد أن أدت الغرض منها في الشهر المذكور فيها!. وتم الغاؤها بالقانون المعدل رقم 13 لسنة 1989 أي بعد سبعة عشر عاما !.
ومذ ذاك أصبح إقرار القوانين أو تعديلها للأغراض الشخصية ديدن مجمل الحكومات المتعاقبة التي كانت تلجأ الى القوانين المؤقتة في حال غياب مجلس النواب أو عدم انعقاده فيما يختص بالمجالس القوية أما المجالس الضعيفة فما على الحكومة الا أن ترمي بالقانون الذي تريد الى اللجان القانونية في تلك المجالس ليتسابق بعدها النواب الذين يحملون جميل الحكومات في إيصالهم إلى القبة يتسابقون الى إقرار هذه القوانين وفاء" بالجميل. والامثلة على تلك القوانين أكثر من أن تحصى وأشهر من أن يشار اليها وما المادة 23 من مشروع قانون هيئة مكافحة الفساد عنا ببعيد.إذ استهدفت هذه المادة حماية الفساد من الصحافة ومن حتى مجرد الاشارة الى الفاسدين.فهي لن تؤد الى أكثر من حماية أشخاص الفاسدين.فإلى متى ستظل القوانين المنوط بها معالجة الشأن العام عرضة" للشخصنة على وجهيها الشخصي والهيئوي بحيث يعد قانون من أجل التنكيل بشخص ما بعينه أو قانون يؤدي الى تعطيل سلطة كاملة وهي الصحافة – السلطة الرابعة – أو غيرها من الهيئات والمؤسسات التي تلعب دورا" هاما" في تسيير حياتنا؟
وما هي انعكاسات تلك التعديلات الفوضوية على مسار السلطة القضائية المطلوب منها أن تحكم بالنص حتى ولو كان هذا النص جائرا"؟
وما هو مصير العدل الذي من المفترض أن يكون غاية القوانين والاحكام الصادرة وفقها؟
وما هو معنى المؤسسية اذا كان العمود الفقري لتسييرها هو القوانين التي يلجأ الى العبث بها عبر ايقاع غير مضبوط من التعديلات المتسارعة التي تؤدي حتما" الى إرباك عمل المؤسسات واخراجه عن سويته واهدافه؟.