من أجل إنقاذ رقصة إندونيسية تقليدية بقلـم مرزوقي حسن
14-01-2012 01:02 AM
السماح بالتغيير من أجل إنقاذ رقصة إندونيسية تقليدية
بقلـم مرزوقي حسن
جاكرتا – في تشرين الثاني/نوفمبر 2011 أضافت منظمة الثقافة والعلوم والآداب التابعة للأمم المتحدة (اليونسكو) رسمياً رقصة سامان غايو الإندونيسية، وهي رقصة جالسة من مقاطعة غايو ليوس في إقليم أتشيه، إلى قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير الملموس الذي يحتاج بشكل ملحّ للحماية. ورغم أن تقاليد إندونيسية ثقافية أخرى "غير ملموسة"، بما فيها منسوجات "الباتيك" ومسرح دمى "الويانغ" قد تم الاعتراف بها كجزء من التراث الإندونيسي الثقافي، إلا أن سامان غايو هي الأولى التي تنطوي على شرط ينص على ضرورة أن يأخذ الأطراف المعنيين بالاعتبار تطبيق إجراءات ملحّة للإبقاء عليها حية. كإندونيسي ومدرّس للرقص من إقليم أتشيه، أشعر بالفخر باعتراف اليونسكون بسامان غايو، إلا أنني قلق وبشكل مماثل من أنه بدلاً من الحفاظ على هذه الرقصة حية، فإن وضع سامان غايو الجديد سوف يؤدي بشكل غير مقصود إلى جمودها وانحطاطها إذا أصبحت مرتبطة فقط بفترة تاريخية محددة ومكاناً محدداً، بدلاً من أن تصبح تقليداً حياً يستطيع الوصول إلى العديد من الجماعات والناس.
يمارس رقصة سامان غايو مجموعة من الرجال يجلسون صفاً متراصّاً وينفذون حركات متنوعة منسقة باليد والجزء الأعلى من الجسم مترافقة مع العزف الموسيقي. تعتبر سامان غايو رقصة فريدة مقارنة برقصات جالسة أخرى من حيث أنها تمارَس باستخدام لغة الغايو ولباساً خاصاً بدلاً من تلك في ساحل إقليم أتشيه. وتحتوي رقصات كهذه في إندونيسيا أحياناً على مواضيع إسلامية في كلمات أغانيها.
وتبرر اليونسكو حاجة سامان غايو الملحّة للحماية بسبب العدد المتناقص من القادة ذوي المعرفة بالرقصة، وقلة الراقصين المتمرسين وانعدام الأموال لتقديم العروض. وقد نتج عنها جميعاً انخفاض عدد العروض للرقصة.
وقد تحدثت وزيرة السياحة والاقتصاد الإبداعي ماري إيلكا بانغستو دعماً للمبادرة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي قائلة: "نحن قلقون من أنه إذا لم يتم تسجيل رقصة سامان غايو فوراً، فقد تطالب بها أمة أخرى على أنها ملك لهم. وحتى يتسنى منع ذلك، يجب الاعتراف بالرقصة والحفاظ عليها وتشجيعها." وفي الوقت الذي تريد فيها بانغستو الاعتراف بسامان غايو وحمايتها، إلا أن لها اهتمام كذلك في الاعتراف بالرقصة على أنها إندونيسية بشكل محدد.
أتساءل حول فكرة أنه حتى يتسنى لفن أن يبقى تقليداً حيوياً قائماً، يجب أن يقتصر على منطقة بمفردها أو على مجموعة من القوانين. يمكن لهذه الصفائية بالذات أن تؤدي إلى الجمود والتراجع، وفي نهاية المطاف إلى إنقراض هذه التقاليد الثقافية.
وبالطبع، إذا نظرنا إلى سامان غايو من المضمون الأوسع للرقص من إقليم أتشيه، نجد رقصتين اثنتين من ذلك الإقليم، سامان غايو وراتو دويك، اللتان نشأت كل منهما على بعد بضع عشرات من الكيلومترات فقط عن الأخرى، ولكن تبعت كل منهما مساراً مختلفاً جداً. بعكس سامان غايو فإن النجاح العالمي وشعبية راتو دويك، التي تمارس تقليدياً بلغة أتشيه من قبل نساء، لا يعتمدان على أي وضع دولي وإنما على شعبيتها على مستوى الجذور.
منذ ستينات القرن الماضي، جرى أداء الرقصات الجالسة، بما فيها سامان غايو في مدن كبيرة مثل جاكرتا وميدان ويوغياكارتا. إلا أن راتو دويك كانت الأكثر شعبية والأوسع أداءً من هذه الرقصات، والفضل يعود إلى دعم فنانين مكرسين من أتشيه، ومدارس وجامعات ومنظمات غير حكومية وحكومات. ولكن هذه الشعبية تعود بالدرجة الأولى إلى جاذبية الرقصة لدى مجموعات الشباب، الذين جعلوها نشاطاً شعبياً غير منهجي في كافة أنحاء الأرخبيل. إضافة إلى ذلك، فإن شعبيتها لا تقتصر على إندونيسيا، فقد قامت العديد من المؤسسات التعليمية والثقافية العالمية بدراستها، مسافرة إلى إندونيسيا أحياناً للتعلم من المدرّسين المحليين.
ومن بين الأسباب الرئيسية وراء شعبية راتو دويك انفتاح الرقصة على التهجين، فقد تم إدخال ازياء وأغانٍ وتنوعات جديدة على الحركات في الأداء، مما يعكس القيم العالمية، بالإضافة إلى التحوّل نحو مجموعات الرقص المكونة من الجنسين. تعبر راتو دويك عن رسائل إسلامية في كلمات أغانيها، ولكن جاذبيتها الرئيسية تكمن في تركيزها على التناغم والعمل الجماعي. بالطبع، أصبحت راتو دويك تتمتع بشعبية لدرجة أنه يتم أداؤها اليوم من قبل غير المسلمين، وهو أمر نادر في عالم اليوم المنقسم.
أثبتت راتو ديوك أنها قوة موحّدة. فقبل هجرتها إلى خارج أتشيه، شكلت الرقصة نشاطاً مشتركاً لأناس من أسر وقرى مختلفة أو من أوضاع اجتماعية مختلفة. واليوم، يجلس شباب من خلفيات عرقية ودينية ووطنية مختلفة، وأنواع اجتماعية جنباً إلى جنب ويؤدون الرقصة على مسارح حول العالم.
يتوجب على هؤلاء الذين يخافون من أن تكون رقصة سامان غايو معرضة "للإنقراض" وبحاجة لحماية ملحة أن يتعلموا من راتو دويك، التي لم يتم "الحفاظ عليها" قط وإنما ترعرعت إلى درجة كبيرة من خلال كونها منفتحة على التغيير. إذا أردنا حقاً أن نضمن حيوية سامان غايو ونشاطها يتوجب علينا أن نسمح لواحدة من تقاليد إندونيسيا العظيمة أن تتكيف.
###
* مرزوقي حسن محاضر في معهد جاكرتا للفنون، وهو كذلك مغنٍ وراقص ومدير رقص درّس العديد من رقصات أتشيه لمدة تزيد على خمسين سنة.
كُتب هذا المقال لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.
المصدر المقال: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية، 13 كانون الثاني/يناير 2012
www.commongroundnews.org