رنا الصباغ لقراء "عمون" بعد تحقيق معان المثير للجدل : تسليط الضوء على أزمات الوطن يساهم في حل مشكلاته
08-10-2007 03:00 AM
عمون - أثار التحقيق الصحفي الذي كتبته الزميلة رنا الصباغ في "الحياة" ونقلته"عمون" بالتزامن ، ردود فعل متباينة و شديدة بين اهالي معان ونخبة مثقفة من مختلف البقاع ، شاركت في التعليق عليه عبر "عمون" ، وارتأت الصباغ الرد على القراء كافة ضمن رسالة وجهتها لهم مقدرة مناقشاتهم وواعدة بفتح المزيد من الحوارات والقراءات لمجتمعنا دون الوقوف عند الاساءات و عدم استيعاب المعاني الصادقة والاهداف الوطنية التي تحتم على الاعلام كشفها ووضع النقاط عليها مقدرة بذات الوقت وجهة نظرهم وان اختلفت معهم .. وفيما يلي نص الرد : قال تعالى في محكم آياته بسم الله الرحمن الرحيم "يا أيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين" و قال جل وعلا "لا تقف ما ليس لك به علم أن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا" (الاسراء)- صدق الله العظيم.
قراء عمون الأعزاء:
أشكركم جميعا على ردود الفعل التي أثارها تحقيقي الصحافي الذي نشرته صحيفة "الحياة" اللندنية الواسعة الانتشار يوم الجمعة 3/10/2007 بعنوان (معان عاصمة "الجهاديين الأردنيين ... بين مآثر "أبو سياف" والخوف من نفوذ "الأخوان"...) والتي أعاد نشرها موقع "عمون" الالكتروني في نفس اليوم وبالتزامن والاتفاق معي وموافقتي .
أشكر القراء الذين "شرّحوا" التحقيق ودققوا بما ورد فيه من أراء ومعلومات وأرقام وحقائق "اسمنيتة" واضحة وأغنوا الجدل الدائر بما يستحق. فالأصل أن يشمل النقاش مضمون المقال وان يكون التقييم قائما على فكرة مقابل فكرة ومعلومة مقابل معلومة ومنطق مقابل منطق بعيدا عن الاتهامية الجاهزة وإنكار الحقائق والتخندق ورفض أية معلومات خارج الأفكار والاحكام المسبقة لدى المتلقي.
اشكر أيضا من انتقد فحوى التحقيق ومن أختار التعرض لي شخصيا ولاستقامتي المهنية والتشكيك في نزاهتي ووطنيتي ومواطنتي وأنتمائي وأدعى باطلاً ان لي "أرتباطات خارجية" معروفة. لم تكن تلك الردود خارج عن المألوف الذي تعودت عليه منذ بدء مسيرتي كإعلامية محترفة وملتزمة اتوخى الدقة واسعى الوصول الى الاحتراف والمهنية العاليتين تخرجت من الجامعة حيث تخصصت بدراسة الإعلام عام 1984. وبدأت سماع هذه الاسطوانة المشروخة منذ أن التحقت بالعمل كصحفية في الأعلام الاردني، وبعدها كمراسلة لوكالة الأنباء العالمية رويترز في مكتب الاردن ومكتب الخليج الإقليمي
(1987-1996) وبعدها خلال عملي في صحيفة "الجور دن تايمز" كرئيسة تحرير (1999-2001) ثم كعضو في هيئة تأسيس صحيفة "الغد" الاردنية والآن ككاتبة مقال في صحيفة "العرب اليوم" كل يوم أحد وكمراسلة لصحيفة "التايمز" اللندنية وكمستكتبة في قسم الرأي والتحقيقات في صحيفة "الحياة" اللندنية، وحتى كمدربة إعلامية معتمدة من مؤسسة رويترز العالمية وكمديرة تنفيذية لشبكة "أريج" إعلاميون من اجل صحافة استقصائية عربية والتي تغطي نشاطاتها كلا من الاردن وسورية ولبنان.
طاولتني سهام النقد من الحكومة في اغلب الأحيان، لكن في أحيان كثيرة مارس الشارع علي ّ "دكتاتورية" أشد من "دكتاتورية" السلطة. لكن من ارتضى العمل الصحفي يرتضي شروط العمل العام وعليه أن يتحمل مسؤولية كل فعل يقوم به وكل حرف يكتبه.
لكن ذلك لم ولن يوقفني عن الاستمرار في هذه المهنة النبيلة التي أحبها واخلص إليها لأخر يوم في حياتي. وسأظل اسَمي الحقائق والوقائع والمعلومات بأسمائها خدمة للوطن وللمواطنين. لا اسعي لتحقيق شعبية أو للتسلق إلى "مناصب رفيعة" فهي لا تعني لى شيء. أحترم الرأي والرأي الآخر واعمل بمهنية مطلقة تمليها عليّ المسؤوليات التي ارتضيتها عندما أديت القسم الصحفي امام نقابة الصحفيين الأردنيين التي انتمي إليها منذ 1985.
أما على المستوى الشخصي فأنا أكره التزلف والارتزاق والاستبداد والفساد والمحسوبية والجهوية والمناطقية لآن الأردن وطن كبير يتسع للجميع. أنشط لنشر مفاهيم العدالة والمساواة والشفافية والحريات السياسية وبناء دولة القانون والمؤسسات.
عودة إلى موضوع التحقيق المنشور يوم الجمعة حول "التكفيريين في الاردن" أرجو أن يأخذ مساحة أكبر من العرض والبحث والنقد في الواقع والمستقبل خدمة للمصلحة العامة. كما آمل أن يقوم الاعلام الأردني "الحكومي" و"الخاص" وغيره من مراكز الأبحاث المتخصصة والجامعات المحلية ومنظمات المجتمع المدني وغيره بتوسيع هوامش تعاملهم مع قضايا الوطن ورصد المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية المتعددة والمتداخلة التي نعاني منها شأننا شأن أية دولة في هذا العالم الرحب. فالاعتراف بالمشكلة جزء من الحل بدلا من الاستمرار في إنكار الواقع وتجاهل الحقائق والانتظار لحين وقوع المشكلة. فواجب الصحفي المحترف هو دق جرس الإنذار، وعكس نبض الشارع بهمومه وتطلعاته، وممارسة الرقابة على السلطة والوصول إلى الحقيقة قدر المستطاع حتى ولو كانت مؤلمة وخلقت جدلا مجتمعيا ومهنيا.
أن الصحفي المحترف هو من يلتزم بمهنيات ومسلكيات وأسس المهنة القائمة على الدقة والصدق والموضوعية ونقل الرأي والرأي الآخر والتزام الحياد والتوازن وتنوع المصادر والوضوح ووضع التقرير في سياقه المحلي والاقليمي إضافة إلي بناءه بطريقة سليمة وبصياغة جيد. واستذكر هنا ما قاله المؤرخ الايطالي جايتانو سالفيميني:”لا يمكننا أن نكون محايدين تماما. ولكن لا بد أن نتحلى بالأمانة الفكرية.. ندرك عواطفنا ونحذرها. الحياد الكامل حلم لكن الأمانة واجب".
بداية فكرة التحقيق الحالى مثار الجدل كان خبر أوردته وكالة عمون يوم 8/7/2007 عنوانه "لباس الطالبان المفضل لطلبة مدارس معان". بدأت بجمع المعلومات وبتقصي الحقائق التزاما بواجبي المهني. وزرت معان مرارا وحللت ضيفة على اهلها "الاجاويد" ... جلت في معان، وتحدثت إلى رجالها ونسائها ومسؤوليها ومدرسيها وتجارها وبائعي البسطات وأئمة مساجدها... التقيت مع نشطاء حزبيين ومع أعضاء جبهة العمل الاسلامي... زرت جامعة الحسين بن طلال والتقيت مع الطلبة والأساتذة ... ثم عدت إلى عمان وفي جعبتي أسئلة كثيرة للمسؤولين واصحاب الخبرة... بعد طول انتظار حصلت على أرقام رسمية أكيدة تتحدث عن وجود 220 تكفيري ينتشرون في مناطق عديدة من الأردن، لكن الرقم الاكبر على مستوى الوطن كان في معان. لذلك ركزت أكثر على البيئة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتنموية لهذه المدينة مع انني زرت مناطق الحراك التكفيري الاخرى.
خرجت بالمقالة كسائر اعمالى الاخري بعد أن اتبعت أسس الصحافة الاستقصائية القائمة على توثيق المعلومات والحقائق بأتباع أسلوب منهجي وموضوعي بهدف كشف المستور وإحداث تغيير للمنفعة العامة.
أما المعالجات فتقع في صميم عمل الدولة ومؤسساتها المختلفة، بدعم من المجتمع الأوسع ومؤسساته غير الحكومية والأحزاب والجامعات والمساجد.
أخيرا، ولمن لا يعرف، فأن لمدينة معان تحديدا معزة خاصة لدي لأنها مرتبطة بنقاط تحول مهمة في مسيرتي المهنية ولأنني لا أكن لأهلها الأشاوس إلا كل الحب والاحترام لكرمهم وشهامتهم... خصائل لامستها في كل زيارة لهذه المدينة منذ بدء علاقتي المهنية معها قبل 20 عاما. كنت صاحبة سبق صحفي على مستوى العالم عندما أرسلت خبر اندلاع أحداث شغب معان فور وقوعها عام 1989 من خلال مكتب وكالة رويترز في عمان. بعدها بساعات بثت الوكالات الإخبارية العالمية المنافسة الخبر . بعد أربع ايام على تلك الاحداث كسر الاعلام الاردني حاجز الصمت ونقل الخبر "البائت".
وفي المرة الثانية طلبت احدى الحكومات السابقة من رئيس مجلس إدارة المؤسسة الصحفية الأردنية "الرأي" إقالتي من منصب رئاسة تحرير جريدة "الجوردن تايمز" لأني اصررت على تغطية أحداث شغب اندلعت في معان مرة أخرى بعد مقتل الشاب الفناطسة اثر مطاردة مع الشرطة. وأصررت على إرسال كبير المراسلين وقتها بينهم الزميل سعد حتر لزيارة معان وتبيان موقف الشارع بدلا من الاكتفاء بتغطية الأحداث من خلال وكالة الأنباء الرسمية (بترا). يومها كتبت الافتتاحية الرئيسية ودعوت فيها إلى التعامل مع مدينة معان وأهلها من منظور أنساني مدني وليس من خلال نظرة أمنية بحتة لا تلتفت إلى التنمية والظروف الاجتماعية للمدينة البعيدة عن المركز والاهتمام على السواء.
واليوم أعود إلى معان مرة أخرى؟ وفي المستقبل القريب ساكتب عن الفساد والفاسدين و المستبشرين والذين نهبوا اراضي الدولة وغيرها من المشاكل التي ترددت على السنة القراء..
ولكم التحية والتقدير خاصة "عمون" المنبر الاعلامي الالكتروني الوحيد الذي يفتح صفحاته للحوار الجاد والراقي والمهني امام الجميع ويرفع من سقف الحريات في بلدنا بصورة ملفتة .
رنا الصباغ/عمان