تفاجأ الخصاونة بقبول استقالته, فهو و منذ اليوم الأول لوصوله دأب على استخدم التلويح بالاستقالة كأداة ضغط مدركاً حجم الاحراج الذي قد يتسبب به للنظام مع تشكيل رابع حكومة في ظرف أقل من سنتين.

على كل الحوال, الافلاس السياسي للخصاونة كان واضحاً منذ اليوم الأول, و رحيله استحق في الاسبوع الأول من عمر حكوته القصير, و حياء و خجل الدولة كان هو السبب الرئيسي و راء الصبر على هذه الحكومة لمدة لم تتجاوز ال 180 يوماً.

انجازات حكومة الخصاونة كانت كبيرة برغم من ايامه المعدودة. فمن انتهاك الحريات و الحقوق, الى تأزيم الشارع, و العمل على بث بذور الفوضى و الفتنة عن طريق السياسات الاقصائية و الشخصنة و التنفيع.

منذ يوم وصوله الى الدوار الرابع كان واضحاً أن المكان و المرحلة أكبر من شخص و حجم عون الخصاونة. و في لحظة معينة لم يجد أنصاره -و بعد الاسبوع الثاني- حججاً للدفاع عنه او الوقوف الى جانبه. الحصاونة لم يأبه لتشكيل فريق وزاري قوي, و اتضح أنه لم يكن يملك أي برنامج عمل, او تصور لشكل المرحلة القادم. فكان اقرب الى المستشرق الحالم, الذي لم يستوعب التطورات و التحولات على الساحة الأردنية.

عون الخصاونة استحق و بجدارة لقب أفشل حكومة في تاريخ الأردن, و أثبت للجميع أن كثيراً من شخوص الحقبة الماضية لم يكونوا يوماً بحجم التحديات السياسية, فما ان تغيرت الامور قليلا و اصبحت الحاجة ضرورية لوجود كفاءات حقيقية قادرة على التواصل مع الناس و ادارة الأزمات بحرفية, حتى سقطت ورقة التوت التي كان يتستر بها الكثيرون ممن أسسوا لمرحلة السقوط الحالية في فترات سابقة كان يتبجحون بها بأنهم اهل العلم و المعرفة. للأسف أو لحسن الحظ أثبت أولئك انهم ينتمون الى نادي سياسيو الصدفة الذين وصلوا الى ما هم عليه بسبب التفرد في الحكم و سياسة اتغول الاقطاعي السائدة.

على اية حال, لم يكن من المستغرب ان تسقط هذه الحكومة بهذه الصورة, فمتطلبات المرحلة تتجاوز الخصاونة بشخصه و قدراته, و تمثل الخطأ الأكبر بالابقاء عليه بعد الصورة المتناقضة التي رسمها في ما يتعلق بملف حماس و عودتها الى الأردن.

استمرت بعد ذلك الأزمات لتشمل ملف المعلمين الذي صنعه الخصاونة بحرفية عناده و تعاليه, و استمر فشله في التواصل مع الحراك الشعبي و قادته بل عمل على زيادة التأزيم عن طريق تسريب و انهم يعملون ضد الحكومة. و من انجازات الرئيس أيضاً التدمير المتعمد لمخرجات لجنة االحوار الوطني, و ادخال البلد في حالة من التخبط و الشك بسبب سياساته الغامضة التي بدت و كأنها مرتبطة بمحافل صناعة القرار الخارجية. حتى زيارة المحافظات فشل عون الخصاونة بها بامتياز ففضل نمط حياته المترفة من نوم و ولائم على القيام بواجب الرئيس فاستحق بلاشك و بدون منافسة لقب اسوء رئيس وزراء.

لا يمكن أن نبقى نكرر الأخطاء, فالبديل المطلوب اليوم لايمكن له أن يخرج عن سياق تحولات الشارع الأردني. الحكومة البديلة لابد ان تمثل جميع أطياف الحراكات السياسية, و أن تكون على شكل حكومة اتحاد وطني. حكومة تنقلب على صورة الحكومات النمطية و طريقة تشكيلها, و تؤسس لمرحلة سياسية قادمة أكثر نقاءً. حكومة تحترم الحريات و تعرف كيف تتواصل مع الناس و تعمل على تأسيس حالة من التناغم و التوافق, و قبل كل هذا حكومة لا تدعي معرفة الحقوق و تقوم بانتهاكها, فوصمة العار ستبقى في جبين القاضي و حكومته, و الذي تعامل في شهوره المعدودة بعرفية فاقت حتى حكومات جنرالات الأنظمة الشمولية.

د.عامر السبايلة