لا نريد أن نعمم أن هذا النائب الفلاني يمثل منطقته( سياسيا واجتماعيا وأخلاقيا) فنظلم منطقته وبيئته الإجتماعية وكثيرا ما خلفت النار رمادا ..
ولكن كثيرا من الآباء المحترمين والأسر النظيفة ينبت في كنفهم أفراد (شاذون) لسبب أو لآخر ثم يكبر هذا الشاذ وغير المنضبط ولحسن الحظ أو لسوءه فقد يصبح (نائبا) وكان الأحرى به وبعاقلته أن يوجهوه لوظيفة غير النيابة لان النيابة تمثيل للمنطقة وللأمة والناس وللأهل والعشيرة.
وكانت العرب والعجم تدفع بخيرة رجالها وفقهائها وعلمائها لتمثيلها أمام المجالس والمحافل الدولية والملوك لتنقل رسائلها وحاجاتها, ولكي تحظى بالقبول والترحاب وتعود بمطلبها من قبل المرسل إليهم . ولذا كان اغلب المرسلين من أهل الأدب والخلق والفصاحة والذكاء والفطنة وقد قيل (أرسل حكيما ولا توصه) (والرائد لا يكذب أهله).
ونستذكر في هذا المقام رسل ووفود النبي عليه السلام للملوك والقبائل وولاة الأمصار وما كانوا عليه من الخلق والحكمة والعلم والحجة والأدب, وبالمقابل نستذكر أبا سفيان عندما سأله ملك الروم هرقل عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم( ما هو فيهم), فتحدث أبو سفيان عن الرسول بصدق فمدحه ولما خلا بأصحابه سألوه : ما دفعك لقول الصدق؟ فقال وهو ما يزال على ملة الكفر (خشيت أن يؤثر عني الكذب) فمنعته مروءته من الكذب والفجور.
وان ما يحصل تحت قبة البرلمان من عراك ومصارعة, لا يليق حتى بالإنسان . وهو سلوك ممجوج وتافه وغير مقبول على جميع المستويات ,وان دل على شيء فإنما يدل (إن بعض المناطق) دفعت بأسوأ أبنائها ليمثلوها أمام الأمة وليتكلموا باسمها وينطقون بأمر العامة ,وهي صفات آخر الزمان, كما تنبأ بها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
فكثير من الرجال, يصلح لموطن الحماية والحراسة والجهالة والمدافشة والعراك والمسبات, والتي تحتاجها قبيلته في الشارع , وهو المكان المناسب لذلك وقد يكون مشروع في حينه ، فتطلقه على سفيه مقابله ليردعه ويبعده عن حمى القبيلة, ثم تعود وتعقله. أما أن تدفع به لمجلس الأمة, مكان التشريع والرقابة والحكمة والرأي الرشيد,والتعامل لحضاري ,فلا يجوز, وهو اختيار غير موفق, ووضع للرجل غير المناسب في المكان الراقي والحضاري.
إن من يستخدم يده في الانتصار لفكره ورأيه , هو عاجز فكريا وضعيفا حجة ومنطق, و أظنه يفتقد الرأي والحكمة والمنطق الصواب,وربما الأدب الجم والخلق الرفيع, وغير جدير بان يكون ممثل ونائبا لمنطقته ولا للأمة المتحضرة, لأنه يظلمها ويضيع حقوقها, وإلا لما اتخذ البعض المحامين ليدافعوا عنهم في قضاياهم أمام المحاكم والقضاة.
والجدير بهذا العاجز( كائن من كان) عن إيصال أفكاره ورأيه, - إلا بيده ورجله وحذائه- أن يتنحى عن مجلس التشريع والرقابة المحترم ( الذي صنعته الفكر والمنطق والإقناع بالحجة واحترام الرأي الآخر )وعليه أن يمتهن صنعة هي اقرب لإستخدام الأيدي والأرجل والأحذية, لأنه يجيدها أكثر من النيابة , فلا يظلمن نفسه ولا أهل منطقته, الذين ( أكيد يخجلهم سلوكه ويندمون على انتخابه). أؤكد أن المصارعة والهيجان والتناطح والمدافشة تحت القبة ، ليس من باب الرجولة بمكان, وأن ما يحدث أحيانا في برلمانات دولية شبيه ذلك, إنما هو خطأهم الذي يعابون عليه ,وليس فخرا أن نقلد أخطاء الآخرين ونقائصهم.
إن ما يحصل تحت قبة البرلمان لا يليق بإنسان عاقل واعٍ راشد بالغ ونائب أمه ,ولا برجل شهم قوي شجاع آنف، لأن الرجولة ليست الانتصار على زميل في المجلس لمجرد رأي مخالف أو زلة لسان أو فكر معارض, وإنما الرجولة والقوه هي ضبط النفس وملكتها حين الغضب, كما قال معلم البشرية محمد صلى الله عليه وسلم: " ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ") ..نعم إن درجات الناس في الثبات وضبط النفس, متفاوتة أمام ما يستفزهم من الأحداث التي تواجههم فمنهم من تستخفه الأمور التافهة , فيسرع إليها بالغضب و التوتر والهيجان فهو الضعيف الرعديد غير المتماسك. ومنهم من تستفزه الأمور الشديدة فيلقاها بالعقل و الحلم وطول الأناة, فهو القوي والشجاع, لان ضبط النفس و التحكم في غريزة الغضب من ابرز صفات الحزم والقوة .وهو دليل قدرة محمودة و تماسك كريم و له جزاء عظيم عند الله تعالى كما هو في الحديث الشريف "من كظم غيظا وهو يستطيع أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق حتي يخيره في أي الحور شاء ".وقد وعد الله الكاظمين الغيض العافين عن الناس والصابرين على الأذى درجات في الجنة وبحسن العاقبة.