facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




عن العنصريّة و العنصرييّن


هشام غانم
01-11-2007 02:00 AM

تُوفّرُ المناسباتُ «الوطنيّة»، من «أعراس» انتخابيّة و كرويةّ و ما شابه، فرصةً رائعةً لأهل العنصريّة لتفريغ ما في جعبتهم من ضغائن. و الضغائن هذه، تَخرجُ من الأفواه و الأقلام مُخْرجَ غرائز عاميّة. و مصدرُ انقلاب «الفكر» غرائزَ، هو أنّ أهل العنصريّة يُنْزلون الحروفَ و الكلماتِ على الورق منزلةَ الكلام المنطوق.«تكاد تميَّز من الغيظ»
و الكلام المنطوق هذا، يتميَّزُ غيظاً و ضغينة، على مثال نار جهنّم التي «تكاد تميَّزُ من الغيظ». و «التميُّز» هنا، على معنى التقطّع و التدافع و التضارب؛ فيَخرج الكلامُ بعضه على بعض، و لا يتجاوب أوّله و آخره؛ فهو أشبه بالركام المتشعّث المتبعثر؛ و ذاك بأنّ العنصريّ يخبط على غير هدىً، و يضرب في تيهٍ بلا أفق. فهو يَحْمل الحوادث و الأحداث على مَحمَل واحد، خالطاً السياسيات بالثقافيات و الاجتماعيات و التاريخ. (العنصريّون مولعون بكلمات من مثل «تاريخ» و «تاريخيّ»). و مردّ الخلط هذا، أنّ العنصريّ – بحُكْم تكوينه الشاذّ – لا يسعه إقامة الحجّة على خصمه من طريق البرهان، و الاستعانة عليه بدليل العقل و النقل، و تالياً، تأييدَ مذهبه بشواهد المعقول والمنقول؛ و ذاك بأنّ جلّ بضاعته حنجرة صلبة، و مزاعم يهيمنُ لفظُها على معناها؛ فبهرجة المبنى، و الحال هذه، تتستّر على خواء المعنى.

اليقين و الجنون
لكنْ، مَنْ قال أنّ العنصريَّ بحاجة إلى الأدلة اللوامع، و البراهين السواطع، و القرائن المسلَّمة، و الآيات المُلزمة؟ فالعنصريّ لا حاجة له بأيّ نوع من الأدلة أو البراهين لإثبات صحّة مزاعمه؛ فهو على يقين لا يتزعزع بأنّه على صواب. و الصواب هذا، يَحْمله على عدم الشكّ إلاّ في شكّ الآخرين به. فهو لا يخطئ، و لئن «أخطأ»؛ فإنما ذلك لأنّ الآخرين «أساؤوا فهمه». على هذا، يُجْهد نفسَه أحياناً بــ«توضيح» موقفه: «لا، لا، أنتم فهمتوني خطأً، أنا لم أقصد، أنا لستُ عنصرياً؛ أنا وطنيّ». غير أنّ ما يُكذّبُ هذا «التوضيح» هو أنّ العنصريّ صاحبُ يقين حديديّ. و يترتّب على هذا اليقين الحديديّ استنتاج يدفعنا إلى الزعم أنّ العنصريّ لم يعد لديه ما يقوله؛ فهو على صواب، و يعلم أنّه على صواب، و يَعْلَم اتحاده بهذا الصواب؛ لأنّه يمتلك الحقّ، و يُطْبق بكفّيْه على الحقيقة. على حين أنّ الأخيرة تُكْتَشَف بالتجربة و المثال؛ فهي تقع أمامنا لا خلفنا، بخلاف ما تزعم الببغاءات العقائدية. غير أنّ هذه الأخيرة لا ترى إلى ذاتها ككائنات عنصريّة و دعاويّة، بل ربّما ترى في خواء امتلائها قرينةً على استواء اعوجاجها. و هذا كلّه و غيره و مثله مردّه إلى اليقين. و الأخير يقوم من الثقافة العربية الإسلامية مقامَ القلب. على خلاف الثقافة الغربية؛ فهذه نزّاعة للريب. و الريب، على نقيض مزاعم الايديولوجيين، ليس هو ما يقود إلى الجنون؛ إنّما اليقين هو ما يقود إلى المسيرة الظافرة نحو الهاوية. و آية ذلك، حوادث لا حصرَ لها في الأدغال العربية.

الدونيّة و الفوقيّة
و لئن كان اليقين هو سائق و إمامُ العنصريّ، بقيَ أنّ الشعور النفسيّ المزدوج هو وقود المركبة العنصريّة. و الشعور النفسيّ المزدوج هو: الدونية و الفوقية. فالشاعر بالدونيّة لا يطيق رؤيةَ «الغريب» أو كلّ «مختلِف عنه». هكذا يغدو كلّ «غريب» مشروعَ خطر و هلاك. و لا ريب أنّ «الغريب» لا يستحق سوى الحسد، الذي، بدوره، سرعان ما يُضْحي ضغينة. و أمّا الشاعر بالفوقيّة فيخشى أنْ يُقوِّض الآخرون مكاسبَه؛ و ذاك بأنّ الخوفَ هو الركن الركين الذي ينهض عليه السلوك العنصريّ؛ فلا ينفكّ يلحّ على صاحبه إلحاحَ الخيل على الوحل. و إذا كان البشر يخافون كلَّ ما لا يشبههم؛ يبقى أنّ العنصريّ لا يكتفي بالخوف من الآخرين، بل يريد منهم أنْ يكونوا على صورته و مثاله. فلئن امتنعوا من (أو عن) ذلك؛ اقتضى هذا أن يحظوا بالكراهيّة. و هو يكره الآخرين؛ لأنّه لا يستطيع أن يحبّهم، و لا يريد أنْ يحبّهم؛ فهو لا يطيق اختلافهم عنه. غير أنّه، و على رغم ذلك، يريد أنْ يكون محبوباً. و هو لئن ذهبَ بعيداً في الكراهيّة، طلَبَ من الآخرين أنْ يكونوا خبثاء؛ كيما يكرههم أكثر، و كيما يستطيع الشعور بأنه طيّب و لطيف. فإذا لم يكونوا خبثاء، كرهَ نفسه. معادلة فظيعة.

الوطن أوطان
و ثقافةٌ هذا شأنها، لا يتبقى للعقل فيها موقع؛ و ذاك بأنّ الغرائز، و المسألة هذه، تنوب منابَ التفكير كسلوك إنسانيّ يتوسّل السياسة لفضّ المنازعات. و لئن كان العنصريون حريصين على «الوطن» و «الوطنية» (و هي في الحقّ «وطنجيّة»)؛ فالأغلب على الظنّ أنّ العنصريّة لا تُبْقي من «الوطن» إلاّ اسمه؛ و ذاك بأنّ الاجتماع الإنسانيّ ها هنا، سوف يفقد التجانس الذي يعطي لقطعة جغرافية ما مسمّى «الوطن». ليغدو الأخيرُ أوطاناً، تتزعمه قبائل و أقوام ايديولوجيّة خلاصيّة. و غنيٌّ عن البيان أنّ الوطن، في ظلّ الايديولوجيات الخلاصيّة، لا يعود يحتمل إلاّ وجوداً واحداً، و معنىً واحداً، و مفهوماً واحداً. و على هذا، يغدو المواطن «الغريب» أو «المختلف» أو «المؤجل» (على قول أحد أصحابنا) جاليةً أجنبية، أو دخيلاً يلوّث «نقاءنا». هذا في أحسن الأحوال، و أمّا في أسوئها؛ فالعراق هو خير أو شرّ مثال على ما يمكن للعنصريّة أنْ تفعله أو تقترفه. و «المثال» هذا هو نفقٌ مسدود من طرفيه، تتكدّس فيه جبال الجثث، و من فوق الجثث تنتصب رايةٌ خفّاقّة، لكنها دامية، و الراية هذه اسمها «المقاومة العراقية».

هشام غانم
hishamm126@hotmail.com





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :