facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




تمديد الفراغ


أمجد ناصر
14-12-2007 02:00 AM

قال ارسطو إن الطبيعة تكره الفراغ، لكن ذلك ليس صحيحا، علي ما يبدو، في لبنان. فالفراغ هناك سيّد الموقف، لا يملأ موقعه الشاغر شيء. الفراغ طنان في بيروت. له صوت، وثقل، وظل، ورائحة. لكنه ليس فراغا في الطبيعة سرعان ما تسارع الي ملئه. بل في رؤوس نسل جديد من الاقطاع السياسي ذي الجذر الطائفي الراسخ. فراغ رغم الجلبة التي لا تهدأ في قصور أمراء الطوائف، وفي قاعة الشرف في مطار بيروت.إنه ذلك الفراغ، او العقم، الذي ينطبق عليه القول السائر: أسمع جعجعة ولا أري طحنا. إنه أمر يدعو الي الحيرة. فكيف يتسني أن يسود الفراغ بلدا لا تهدأ فيه حركة مثل لبنان؟ ليست هناك في لبنان، هذه الأيام، مفردة أكثر تواترا، وتوترا، من مفردة الفراغ . كم مرة ترددت هذه الكلمة في الصحف، التلفزيونات، الاذاعات، المقاهي، والمطاعم، وربما، في الملاهي الليلية؟ كم مرة؟ ملايين المرات. لعله لم يبق راع أو خفير في لبنان لم يردد صدي مقولة فلسفية قديمة عن الفراغ و الطبيعة . فما دام الكرسي الاصفر، الذي لا تمل التلفزيونات من اظهاره علي شاشاتها، فارغا، سيظل الفراغ قائما. ولا يبدو ان ثمة، في المدي القريب، من سيجلس علي ذلك الكرسي الذي تركه الجنرال فارغا وهو يغادر قصرا لم تعد تمر به طرق البريد.
بعد دقائق من منتصف ليلة الجمعة قبل نحو عشرين يوما خرج الرئيس من قصره. بدا الكرسي الذي يثير كل هذا الضجيج العقيم فارغا. قبل ذلك بقليل كانت الكاميرات مسلطة علي مدخل القصر. فمن هنا سيخرج الرئيس إلي بيته . الفارق، في حالة العماد ليس كبيرا. فلم يكن القصر الرئاسي يختلف كثيرا عن بيت بلا هوية. قليلون هم الذين كانوا يزورون القصر أصلا، فثمة بين اللبنانيين من لا يعتبره، بوجود العماد فيه، قصرا. الوسطاء الكبار والصغار لم يكونوا يمرون به كذلك. بعضهم فعل علي سبيل المجاملة واللياقة ليس إلاَّ. فمواقع الحل و الربط في بلاد الأرز هي في أمكنة أخري. فلم يكن لـ العماد من يكاتبه. ثمة قصور أخري أكثر أهمية: قصر قريطم ، عين التينة ، قصر المختارة ، بكركي ، المتن ، الرابية ، المربع الأمني . الرسائل تذهب إلي هناك، وليس الي قصر بعبدا .
لعله الفضول هو الذي دفع الكاميرات المصابة بضجر التكرار إلي ترقب ساعة الصفر . فلم تكن هناك، فعلا، ساعة صفر. فساعة الصفر بدأت قبل أن ينتصف ليل بيروت المعبأ بترقب سيطول أمده. ساعة الصفر بدأت ظهرا في قصر آخر: قصر منصور عندما أعلن رئيس المجلس النيابي تأجيل جلسة الاستحقاق الرئاسي لعدم اكتمال النصاب . كان النواب اللبنانيون كلهم في المجلس ولكن النصاب ، مع ذلك، لم يتحقق! تلك فنتازيا لا تحدث إلاَّ في لبنان: أن يتواجد كل أعضاء البرلمان الذين سينتخبون الرئيس العتيد في المجلس ولكن النصاب يتعذر اكتماله. الذين لم يكلموا النصاب كانوا يتكلمون بهواتفهم المحمولة في ردهات المجلس او يدخنون ويشربون القهوة، فيما رئيس المجلس يعلن عدم حضورهم !
استرجع الآن صورة رئيس يغادر قصره الي غير رجعه من دون أن يخلفه أحد علي الكرسي:
أعضاء الفرقة الموسيقية يتثاءبون قبل أن ينتصف ليل بيروت بقليل. آلاتهم الموسيقية النحاسية تتثاءب مثلهم. فالرئيس الذي يودعونه ليس رئيسا تماما. رئاسته مطرح شك. لا اجماع عليها. الذين كانوا يحملون طبلا وزمرا في الطريق الجديدة كانوا أكثر حماسة منهم في انتظار لحظة خروجه. لكن الرئيس يخرج. عليه أن يخرج. فلم يعد هذا القصر قصره. وليس هناك من يسلمه مفتاح القصر الخاوي. الفرقة الموسيقية تعزف نشيدا وطنيا يتجاذبه الجميع: كلنا للوطن . ولا نعرف أي وطن يقصدون. فلكل أمير طائفة وطنه. غير أن الرئيس المهان، الرئيس الذي ليس هناك من يكاتبه لا يترك ساعة الصفر تمر من دون أن يقول ما يستطيع قوله الآن بعد أن تحرر من قصره. هناك أسماء أذلته وكان عليه أن يرد الاهانة. يتلفظ باسم بوش كأنه يرد اهانة مكتومة. كمن يسدد حسابا قديما مع النسيان. يسمي فرنسا. لا يسمي ساركوزي ، فلعله لم يعرف أن في الإليزيه رئيساً جديداً غير ذلك الذي أمعن في تجريده من هيبة الرئاسة، غير ذلك الذي لم يرسل إليه مبعوثا من الدرجة الثالثة، فيترك التسمية كلعنة مفتوحة.
الرئيس يخرج. الكاميرات تسلط أضواءها القاسية علي وجهه. ليست ابتسامته حقيقية. ثمة مرارة تطفح من وجهه رغم أسنانه العريضة ناصعة البياض. يتأهب رجال الحرس ويشحذ الموسيقيون المتثائبون آلاتهم الموسيقية الضجرة. تتسلل كاميرا فضولية الي الداخل. فنري كرسيا أصفر خاليا. يأتي صوت ملعق لا نراه: إنه كرسي الرئاسة!
عندما بدا الكرسي الأصفر فارغا، في صالون مستطيل فارغ، قالت امرأة ظهرت حائرة علي الشاشة: إننا في حضرة الفراغ. قال رجل آخر التقطته الكاميرا المرتبكة من الشارع: إنه فخامة الفراغ. بعد يوم قالت الصحف: إنه اليوم الأول من الفراغ، وفي اليوم التالي قالت: إنه اليوم الثاني، ثم الخامس فالعاشر، لكن عدَّ الفراغ توقف، بعد أن ظهر كبير الرسل الذي كان يداوي الجراح فصار، اليوم، يداوي النفوس فقال: انه الانتصار. لا فراغ بعد اليوم! كاد أن يقول إنه هو الذي قهر الفراغ، لكنه أضاف، بتواضع زائف: أنتم الذين انتصرتم علي الفراغ.
اليوم هو العشرون علي الفراغ . الطبيعة لم تملأه. فالطبيعة، شرقي المتوسط، عاطلة عن العمل معظم الوقت. فقد ظل الكرسي الاصفر الفارغ في صالون مستطيل فارغ في قصر فارغ، فارغا، فيما الضجيج يتعالي علي جانبي خط تماس لم تعد تحرسه البنادق. . بل الفراغ الممدد كجثة طازجة.(القدس العربي).





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :