facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




سلعة خاسرة


سميحة خريس
28-12-2007 02:00 AM

يتمشى إلياس فركوح بخيلاء بين رفوف الكتب التي يزين بها مكتبه، وأقول له جادّة: لماذا لا تقتني عدداً من القطرميزات الزجاجية الجميلة العامرة بأنواع المخلل الملونة المشهية وتبيعها؟ أو حزماً من الفجل وكوماً من البصل وشرائح بطيخ مغرية؟ كل هذه ستجعلك أعمر جيباً .
لا أعرف شجاعاً مقداماً مثل الكاتب الذي يتصدى لتجارة الكتب، وقد فعلتها أنا نفسي عن جهالة، صحح لي إلياس قائلاً: لسنا جمع من الشجعان المحاربين كما يحلو لنا الادعاء، ولكن جمع من الحمقى .
عندما بدأت أتعرف إلى الكتابة في الصغر، وأقول كلاماً محسوب على الأدب، ضحك مني قريب لي وقال عبارة ما أزال أتذكرها بين حين وآخر، وأعاندها وأحاول التخلص من واقعيتها من دون جدوى، قال: كتبنا مِيْت بيتْ، ما جبْنا فنجان زيت .
الكتّاب، النخبة، ضمير الأمة الذي لا يريد أحد التعامل معه، فنانوها ومبدعوها وحراس ثقافتها ودليل نبضها الحي، لا مكان لهم تحت الشمس، والكتاب الحزين لا أحد يعترف به، إنه سلعة بائرة منذ اللحظات الأولى لإنتاجه. الكاتب خاسر دائماً. لا يمكن أن يتوقع الكاتب أن يعيش من ريع السلعة التي يحترف إنتاجها، مثلما في الغرب مثلاً، حتى زملاء المهنة الذين يعانون معاناته يتوقعون أن يتم إهداؤهم الكتاب، بل ويعتبون إذا لم تصلهم النسخة المجانية. كذلك كل من تسول له نفسه الاقتراب من هذه السلعة خاسر لا محالة: المطبعة التي تتوخى دفع ثمن الورق سعياً وراء ربح طفيف، والمخرج الذي يصمم الكتاب وغلافه لقاء مبلغ زهيد، والناشر الذي يحمل بضاعته مثل الليلم الهندي ، وهو البائع المتجول الذي يتغاضى عن الطرد أو انتقاد بضاعته أو نبشها وتخريبها في سبيل أن يبيع بعضها، يقف الناشر متسولاً بالأبواب علّ باباً ينفتح للكتاب، والغريب أن الكتاب من حيث هو جهد وفكر وحبر ووقت ونقليات ومستودعات وعاملين، بالكاد يوفر أجور العمالة التي ترفعه وتتنقل به، عدا الجهات الضريبية التي تتعامل مع الكتاب بصورة مضحكة مطالبة بحصتها من الفتات الذي رشته الصدف على الكاتب والناشر.
يطول مشوار الكاتب والناشر وليس لهما إلا الربح المعنوي وفرحة قراءة الكلمة التي تبدو ساذجة في زمن لا يحترم الكلمة.
أما القارئ المتخم بالأعباء الحياتية والباحث عن سلعة رخيصة، فيمكنه أن يتدافع لشراء كتاب الأسرة الرخيص مثلاً، ولكنه لا يعرف كم من التنازلات حدثت ليتوفر له هذا الكتاب، بدءاً بالكاتب الذي نال القليل الذي لا يتناسب مع الجهد والقيمة، وانتهاءً بالجهة الداعمة التي ارتضت الخسارة المالية في طباعة الكتاب، وحتى صاحب المطبعة الذي ارتضى الخسارة في أسعار الورق كونه يتعامل مع مشروع وطني.
كانت أمي تصف المهن التي يعاني أصحابها في سبيل الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية بتعبير حاد وموجع، كانت تقول: لقمة مغمسة بالدم ، وحتى لا أذهب إلى تلك الحدة في وصف الوضع أقول إنها لقمة مغمسة بالعرق والتعب والانتظار الطويل.. لا أعرف أدق وصفاً من الآية القرآنية التي تصف حال الإنسان حين ارتضى حمل الأمانة: وعرضنا الأمانة على السموات والأرض فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا .

Khrais_samiha@hotmail.com





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :