أصدقاء قرب جدا ، و أصدقاء بعيدون مندهشون من صيامي ، وتعلقي بشهر الصوم الفضيل ، أكثر من واحد أبلغني مباشرة أو من عبر وسائل الاتصال عن دهشته و أستغرابه من صومي ، لا أعرف أذا كان يقصد أو يقصدون بالجمع تشكيكا بايماني و "تديني " أو يسؤون ظنهم في فهم الايمان بذاته و حقيقته .
أحيانا أجيب عن هكذا سؤال ، وأبوح عن الاستغرابات المغرقة من حولي ، كون أن أركن الى تطرف أو تعصب أو غضب بالموقف و الرأي ، أبوح ببعض أسرار الذات و تجليات الروح مؤمنا أن الايمان بالاصل تجربة وسلوك و أختبار بين العبد و ربه ، لا أكثر .
للأسف أن هويتنا الدينية تحولت الى تبادل للاتهامات بالتكفير و التنعيف الديني ، تبادل للدين المخيف و القاهر ، لا معني للايمان الذاتي " الصافي " الا عند أهل التقوى و عند المثقفين و المتحررون ، لا منعي للايمان عند البعض الا بالتعصب و التوظيف السياسي و الطائفي و القبلي المتعفن ، و لتجارة الانتخابات و تزوير حقية الايمان الروحي "الحر " و المطلق .
لست مجبرا أن أكون مسلما على طريقة زكي بني أرشيد و لا حتى طريقة وزير الاوقاف محمد نوح القضاة و لا طريقة الاسلام السعودي بتياره : الاسلام الوهابي و أسلام "أم بي سي " ، أنا ضد التعصب و الاضطهاد و ضد التطرف و الانطواء و ضد الاسلام الاستهلاكي و الاسلام الفوضوي ، أكثر ميولا و أقترابا للاسلام الفردي ، أسلام المحنة و التجربة الذاتية فهو الاقرب الى الله ، أسلام منبيق من قاعدة وطنية بحتة يصهر الجميع في ايجابيات التعددية .
السؤال ربما يطرح عن أستغراب و سوء فهم للاسلام و حقيقته التاريخية و الحضارية الانسانية ، الاسلام حاوي لتيارات العقل ، و لم تستقر سلطة الشيوخ و أتباعهم من أهل النقل و السلف ، الا بعدما فككت ودمرت سلطة العقل في الدين الاسلامي ، الاسلام مشبع بتيارات أمنت بالعلم و المعرفة و البحث و التجريب ، طرحت سؤالا حضاريا عميقا في المعرفة الاسلامية عن الوجود و العقل و الايمان وغيرها من الاشكالات التي مازالت ملتبسة في الفكر البشري .
قد يصاب الانسان بهرقطة ضد كل ما هو مكرس و مطلق وثابت ، ولكن كل ذلك لا يغير في لاتجاه الايماني و الطبائع الانسانية و الاخلاقية التي يناضل الفرد لتحقيقها في المجتمع و الشأن العام من حوله ، ويحولها الى مادة لانتاج فكرية لانتاج التغيير و الاصلاح و العدالة الاجتماعية .
السؤال الصواب ، هو ماذا أنت أضفت الى العالم من حولك و الى وطنك ومة أخذ ودمر و أضر ؟ فهو وجب المراجعة ،ووجب الاعتراف و القول بصراحة عند استعراض التاريخ أن القوى و تيارات الدين السياسي أنتحجت عنفا و تطرفا و سلفية قاهرة و معطلة للابداع و الحرية و العدالة ، و أن الواقع يقضي الاقرار بان قوى التنوير التي ينظر الى تدينها بريبة هي من أنتجت ثقافة و ابداع وفكرا و أصلاحا و عدالة في مجتمعتنا قياسا على الاردن و بقية الدول العربية .
أنا فخور باني متؤثر بمصطفى وهبي التل "عرار" و أني منحاز لتجربة تيسر السبول الوجودية ، فخور بغالب الهلسا و مؤنس الرزاز و حبيب الزيود رحمهم الله جميعا ، لانهم ذهبوا شهداء لضريبة الابداع في وطننا الغالي و المتسع ، هذه جذور أردنية و هي أجمل منا