facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




كي لا نقع في حبائل الايدولوجيا العلمانية


سامر حيدر المجالي
11-02-2008 02:00 AM

ليست المشكلة التي هي موضع نقاشنا في هذا المقال هي الوقوع في حبائل العلمانية فحسب ، بل هي كذلك الوقوع في حبائل التعريفات المبتسرة والنظريات المفصولة عن سياقها ، ثم الانقياد إلى منهج إصلاحي ذي طابع تلفيقي يريد أن يقفز فوق المراحل ليدلي بشهادة تاريخية تفتقر إلى الشمول واستشراف المستقبل بحكمة وروية .العلمانية و الدين .. المدنس والمقدس .. الدنيوي والأخروي ، هذه المتقابلات التي يكثر تناولها في هذه الأيام وتخضع لتنظير المنظرين واجتهادهم ، هي أخطر ما قد يتناوله المرء بالتحليل والتمحيص لأنها وببساطة تلخص تاريخ البشرية كله ، منذ يوم ميلادها حتى يومنا هذا .

ومع رواج الأفكار الداعية إلى العلمانية التي يتم تسويقها فيما بيننا بشكل سطحي متهافت ، يتم اختزال البشرية كلها في نظرية واحدة ، يُستثنى منها تاريخها وعمرها المديد ومراحل بنائها وبلورتها وخروجها إلى الوجود في حلتها – أو حللها – التي نعرفها اليوم . البعد الزماني - المكاني مفقود تماما ، والعامل الفكري أو الابستمولوجي هو الغائب الأكبر . والسبب في ذلك بسيط ، فالوصفات معلبة وجاهزة ، والثقافة مدعاة ، والكلام يعبر عن حالة من الانبهار والاندهاش أكثر مما يعبر عن موقف علمي متين وموضوعية راسخة البنيان .

كيف يمكن الركون إلى تعريفات على شاكلة أن العلمانية تعني اللاديني ، أو فصل الدين عن الدولة ، أو الحياد إزاء الشعائر والمعتقدات ، أو فض الازدواج بين الانتماء الديني والانتماء السياسي ، أو الفصل بين المواطنة والمذهبية الدينية ، كيف يمكن الركون إلى هذه التعريفات وغيرها من المطروح في نظريات أصحاب العلب ، وهي في حقيقتها ليست إلا نتائج لصراع جرى ويجري لا على مستوى الحضارة الغربية فحسب ، بل على مستوى الوجود والعقل الإنساني بكل أطيافه .

هنا مكمن الخطورة الأكبر ، فالذين يَفْصِلون العلمانية كنظرية عن تاريخ الحضارة الغربية هم مخطئون تماما ، لكن الذين يفصلون العقل الغربي كله عن سياقه الإنساني هم أكثر وقوعا في الخطأ وأشد بعدا عن حقيقة الموضوع من أساسه .

وكي نوضح معنى الكلام نقول أن العقل الإنساني هو كل واحد ، لكنه غالبا ما كان يعبر عن نفسه ضمن نمطين من التفكير ، نمط غيبي ميتافيزيقي هو النمط العرفاني ، ونمط عقلاني واقعي هو النمط البرهاني . هذان الخطان المتوازيان اللذان لم يلتقيا بشكل فاعل ومؤثر ضمن تاريخ الحضارة الإنسانية إلا نادرا ، ولنتذكر كلمة نادرا هنا لأننا سنعود إليها مرة أخرى ، هذان النمطان حكما بشكل مطلق طريقة التعامل مع الأشياء من حولنا وصنع كل منهما وجها حضاريا خاصا به وضمن معطياته .

العرفان والبرهان ، أو بشكل أكثر وضوحا الشرق والغرب ، هما النمطان اللذان ما انفكا يبنيان الصرح الإنساني وينتجان المعارف والحضارة .

في الشرق حيث ألف ليلة وليلة وشهرزاد وبوذا وكونفوشيوس والمايا ، وحيث يحل براهمان وتزدهر نظريات الإشراق والفيض والتجلي ويكتسب العالم معنيين ، معنى ظاهريا وآخر باطنيا . في هذا وأشباهه مما لايعد ولا يحصى يكتسب الإنسان قيمة مركزية في سلم الخلق ، ويغدو وجوده الشخصي مرآة تعكس العالم بأسره ، فهو العالم والعالم هو . وتتسلسل مراحل الوجود بدء من الناموس الأعظم في رحلة فيضية جميلة تنبثق في النهاية عن معجزة وجودك أنت أيها الإنسان ، يا من خُلِقَ الكون بأسره من اجل خدمتك وسُخِّرَتْ إمكانياته في سبيل راحتك . الإنسان في هذا النوع من المعارف قطب استثنائي تتملكه مشاعر المحبة والعشق ، تغذيها نزعة عظمى من نزعات التكبر والإحساس بالقيمة الاستثنائية .

يقول داريوش شايغان في وصف الإنسان العرفاني : " إن الإنسان بوصفه همزة الوصل بين الأصل الأول والطبيعة الأخيرة ، تفيض منه الأنوار القادرة على أن ترتقي بالأشياء إلى نصابها الرمزي ، كما تنتهي إليه رحلة العودة الرامية إلى كشف ما بقي محتجبا تحت الظاهر المحسوس . وبفضل هذا التناغم بين كل من الجسم والنفس والروح ومماثلها الانطولوجي ، يتوفر الإنسان على ملجأ يجنبه التيه على ضفاف العالم المقفرة . ويساعده كونه القطب الذي تدور حوله أفلاك الوجود على أن يتماهى بفضل هذه المكانة الرمزية مع القوة الكونية التي تتخلل كيانه مثل رعشة مقدسة " . انتهى الاقتباس .

أما هناك على الضفة المقابلة فالأمر مختلف تماما ، فبدءا من الفلسفة اليونانية ومنطق أرسطو حيث العقل والمقدمات المنطقية للأشياء ، وصل الإنسان إلى اخطر مراحل تكوينه الفكري باستفاقته على صدمات هستيرية زلزلت بنيانه في هذا الوجود و زعزعت شعوره تجاه نفسه وجردته من كل مميزاته الاستثنائية ، فلا كوكبه الذي يعيش عليه هو مركز الكون ( كوبارنيكوس ) ، ولا أصله سماوي روحاني بل هو سلالة متحدرة من مخلوق أدنى درجة من القرود ( داروين ) ، ولا دوافعه وغرائزه ذات أصل روحاني بل هي مكنونات اللاشعور الجنسية والبدائية تطفو على سطح الشعور فتترجم أقواله وأفعاله وتفسر كل تصرفاته ( فرويد ) .

في هذا الجو الباعث على الإحباط ، غاب العالم غير الملموس ووصلت قيمة الإنسان إلى الحضيض فرغب بإزالة الأغلال السحرية عن هذا الوجود ، وبات تاريخه محض صراع ووسائل إنتاج ( ماركس ) وأعلن في نهاية المطاف عن موت الله ( نيتشه ) .

العلمانية هي ثمرة هذا المنهج البرهاني الذي لم يعد يقنع إلا بما يقع تحت الحواس وتثبته التجربة ، العلم هو كل شيء وما سوا ذاك فأمر محيد أو مغيب . وهي بذلك تفرض نفسها كايدولوجيا بديلة ، فتقيم وزنا لكل شيء إلا الدين وحاجات الإنسان الروحية . إنها موت الله ( سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا ) .

فهل أخطر بعد ذلك من تبنيها في صيغتها النهائية بعد أن نضجت وأمضت في ثنايا العقل الغربي قرون متطاولة تنتظر لحظة البعث والميلاد ، خطورتها تكمن في أخذها ككل متكامل يشكل عقيدة لا تقبل القسمة على أثنين ، ثم التنظير لها في وسط غفلة تامة عن ما تحتويه من معان خافية وجذور الحادية .

والآن هل يعني الكلام السابق قبولا بما يفرضه العرفان من شطحات وإمعان في عالم الغيبيات ؟ وهل يعني كذلك رفض المنهج البرهاني كلا وتفصيلا ؟ الصورة ليست كذلك وما زال للكلام بقية مهمة .

هنا نميل إلى التقسيم الذي ذهب إليه محمد عابد الجابري ، وان كانت منطلقاتنا في هذا الكلام تختلف عن منطلقاته ، نميل إلى القول أن هناك منهجا ثالثا يقف في مرحلة وسط بين منهجي العرفان والبرهان ، والمقصود هو منهج البيان ، والذي اعتبره الجابري معبرا عن المعقول الديني بإزاء المعقول العقلي ( البرهان ) ومملكة اللامعقول المظلمة ( العرفان ) .

هذه هي نقطة اللقاء النادرة التي كانت في لحظة ما قادرة على أن تجمع المنهجين معا في قالب إنساني رائع لا يغفل جانبا على حساب الجانب الآخر .

إنها عقيدة التوحيد الخالص ، التوحيد الذي يقف بالإنسان عند حد عرفاني معين فيحميه من شطحات الفكر الضالة ، ويمكنه كذلك من استخدام عقله بما يتناسب وقدرات هذا العقل الذي لا يمكن له أن يسبح في هذا الكون وحيدا بلا مرشد أو معين . عقيدة التوحيد التي لاتجعل لأي إنسان بعد الأنبياء والرسل من امتيازات أو استثناءات ، فيعلم هذا الإنسان انه مخلوق من تراب هذه الأرض وان عليه واجب اعمارها بكده وتعبه وإعمال عقله في سننها وآياتها ، دون أن ينسى أن هناك إلها يسير شؤون الكون تسييرا مباشرا ، وما هذا الإنسان والأرض والسماء وقدرات العقل إلا أسباب في يدي هذا الخالق المقتدر ، إن شاء أمضاها وان شاء عطلها .

دين الإسلام كما انزل على محمد هو هذه العقيدة بالضبط ، الدين الذي لا يطلب منك أكثر من أن تبقى بين مرحلتي " كأنك تراه " و " فانه يراك " ، انه دين الإحسان في العبادة وعرفانها والعلم وبرهانه .

مشكلتنا أننا نتجاوز هذا كله فنجعل من معاركنا السياسية معارك ضد الدين ودوره ومكانه ، نختصر الدين في بعض المسيئين له – بنية حسنة أو خبيثة – فتقوم قيامتنا على الدين كله ونطالب بتحييده بل وبإخراجه من الساحة العامة نهائيا . المسيئون للدين يلبسونه الثوب الذي يريدون ، والراغبون بإخراجه ينزعون عنه ثوبه الحقيقي . معارك تافهة تثار هنا وهناك ، تهدف إلى كل شيء إلا إلى ما تطرحه في شعاراتها من مطالبة بمجتمع مدني و حقوق إنسان وديمقراطية ، والدين بعد ذلك كله في حالة بيات شتوي ينتظر من يخرجه من بياته ، ويخلص هذه الأمة من بعض الإصلاحيين الذين يريدون إقامة مملكتهم الفاضلة على رماد أمة محترقة .

samhm111@hotmail.com

سامر حيدر المجالي





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :