facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




تعليلة


19-03-2008 02:00 AM

هذه قفقفا ..
سجن على تل ومدرسة على التل المقابل..
وها هي إربد على مرمى الحجر...
انحدرت السيارة وأخذت طريقها باتجاه السهل الفسيح الممتد ..
وشرعت الذاكرة الأبواب لمشهد عتيق من مساءات الصيف في إربد..
حمل الصغار مقاعد الخيزران إلى الساحة الترابية أمام البيت، ، حجارة البيت السوداء ما زالت تختزن حرارة شمس النهار... ما يدفع السمار بأن ينأى بالكراسي عن الجدار
أخذت دلة القهوة العربية والفناجين مكانها على (ترابيزة) الخيرزان الصغيرة إلى جوار الأب.. وتنادى الصغار للعب تحت عمود الكهرباء على زاوية الساحة الترابية.. انشغل الأولاد والبنات في قدح حجارة الصوان المبعثرة في الأرض.. وتكرج الضحكات ويتسابق الجميع على من سيضئ أكبر عدد من شرارات النار الصادرة بفعل احتكاك الحجارة.. أصوات غناء تأتي من بعيد..
هنالك تعليلة يعلق أحد الأولاد وهو منكب على حك الصوان.. لو يسمحوا لنا بالذهاب !!! نلتفت باتجاه صدى يردد .. يا بو رشيد قلبنا اليوم مجروح.. تلتف الرؤوس إلى جهة مضادة للصوت.. تصغي لترديد المقطع الثاني .. جرح بليغ بالحشا مستظل.. يأتيها من الجهة الأخرى لفضاء السهل الممتد..
ونصغي للكبار يتجادلون حول مصدر انبعاث الغناء: هذه تعليلة في الصريح أو حوارة!!!
ونعجب نحن الصغار من قدرتهم على تحديد المكان..

غاب عني الإشارة إلى أن ارتيادي لتلك المناطق الموغلة في أعشاش الذاكرة حضرني وأنا في طريقي لتلبية دعوة على تعليلة عرس في واحدة من القرى الملاصقة لمدينة إربد...
منيت نفسي بتعليلة كتلك التي شهدت استعدادت صبايا وفتيان القرية لحضورها.. يوم كنت أعمل معلمة منفردة في قرية من قرى قضاء عجلون سابقا..
مطلع السبعينيات ولم تكن القرية مضاءة بالكهرباء آنذاك.. بدت لي القرية متكئة على حافة المنحدر المفضي إلى الوادي الممتد من وادي الرمان في عرجان إلى وادي اليابس في غور الأردن..
الليلة الأخيرة لتعليلة عرس ابن المختار..
تغادر المصابيح بيوت القرية باتجاه الباحة المجاورة لكرم زيتون.. وتعلق على أغصان الأشجار.. ما أن يقترب الجمع من الباحة المعدة للتعليلة .. حتى يفترق أفراد الأسرة..
تتجه الزوجات والأخوات والبنات إلى حيث تتخذ النساء موقعها في الساحة.. و ينطلق الفتيان والشباب للانضمام إلى الرجال.. ترقب الفتيات القادمون.. ويختلس الفتيان النظر إلى حيث، كل يبحث عن وليفه..
تصدح الفتيات في الغناء بما جلبه الجوابين في أنحاء بر بلاد الشام من أغنيات جديدة..
حين تسلمت أوراق النقل للعمل مديرة في بلدة سوم .. قالت لي إحدى الشابات.. هل تعرفين يا ست ربيعة أننا أحيانا وقبل الاستعداد للعرس نذهب إلى بلدة سوم للتعرف على الجديد من الأغاني..
وأثناء عملي في سوم .. ذهبت وأطفالي لقضاء عطلة الربيع في مدينة طرطوس الساحلية..
في الفندق التقينا مع فريق رياضي قادم من (جبلة) وآخر من دير الزور.. دعوني لحضور ليلة السمر في صالة استقبال الفندق..
أصغيت إلى " صوبتني يا دادا صوابة.. ما يدواي الصوابة دكتور وصيدلية..
أغنية لطالما سمعتها من الطالبات يرددنها أثناء الرحلات المدرسية..
...
في التعليلة بدأت النساء المسنات في غناء الهجيني والذي يحتاج أداءه طول نفس وعمق في الحنجرة.. فيما غلب على غناء الفتيان أو الفتيات الرتم السريع .. يردد الشباب من أغاني توفيق النمري ..ويلي محلاها البنت الريفية ولوحي بطرف المنديل مشنشل برباع أو أغنية مثل صوبتني صوابة.. فيما تردد الفتيات أغان مثل :يوم ما طل وحياني ولوحلي البندقية.. بسهم عيوني رماني وخلا روحي ضحية..
ويعقد الرجال الدبكة مفتتحين بالأغنية المشهورة في الشمال: أبو رشيد..
...وفي ركن قصي تتأجج النيران حول دلال القهوة وأباريق ضخمة.. وتدور فناجين القهوة العربية .. وأكواب الشاي المنعنع على الحضور..
في لحظة مدهشة يبدأ عقد الدبكة يزداد امتدادا بانضمام الشباب إلى الحلقة..
تقتحم امرأة الحلقة ملقية على وجهها نقاب يكشف عن العينين.. وملوحة بالسيف في يدها.. وكأنها تهدد به من يحاول الاقتراب منها.. الجميع عرف المرأة..
إنها ابنة المختار الجليلة المقام والفائقة الجمال .. والمتزوجة من رجل كبير القدر في القرية..
توقفت الأنفاس .. فمن سيجرؤ على مواجهة امرأة مثلها..
وقبل أن ترتد أنفاس الحضور .. إذ بالمختار ينزل الساحة لمنازلة ابنته.. انطلقت الزغاريد تعلن تباهيها بالعزوة.. وبدا الأب يرد عليها بالمناورة والمراوغة بحدب وحب.. وهي تزداد دلالا وعنفا..
....
اقتربت من مكان التعليلة..
وطلبت من السائق التوقف بعيدا عن البيت كي أتمكن من استجلاء مشهد التعليلة بالكامل..
الساحة منظفة ومعده لاستقبال الأقارب والأصدقاء..وعلى حواف الساحة الترابية اصطفت كراسي بلاستيكية بيضاء ..
شباب يواصلون بحماس العمل على تمديد وصلات الكهرباء..
وتوزعت النساء ما بين صالة الاستقبال والشرفة.. الشابات تحيط بجهاز تسجيل يزعق بأصوات لا تنتمي للموسيقى أو الغناء..
غابت أصوات العمات والخالات وهن يجهدن حناجرهن في الغناء.. اخترت الجلوس أمام الشرفة لمتابعة تعليلة الرجال..
شاب يجرب صوت الميكرفون بالنقر والنداء على أصحابه..وآخر ينقر على الأورغ الكهربائي ..
اشتد التصفيق وقفز على خشبة المسرح شاب وانطلق المطرب معلنا عن سهرة خليجية .. وشوبية ..
همست أسأل السيدة المتكئة على عصا من خيزران: متى تبدأ التعليلة؟
قاطعنا فتى ينوء بصينية مكتظة بعلب الصفيح البارد لمشروب البيبسي .. وتبعته فتاة توزع حبات أل بتي فور الملونة!
وفي طريق العودة .. يأتيني صوت المذيع يحي ضيوفه من جمعية إحياء الغناء الشعبي!


rabeea.alnasser@gmail.com
http://shuhrazad.maktoobblog.com





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :