facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




مدنية الدولة الأردنية في الفكر الدستوري المعاصر


د.محمد الرفاعي
24-02-2015 09:08 PM

عندما نتحدث عن مفهوم الدولة في المملكة الأردنية الهاشمية، يتبادر إلى الذهن عدد من المفاهيم والأسئلة في وصف الدولة الأردنية: هل هي بالدولة المدنية؟ أم هي بالدولة الدينية؟ وهل الدولة الأردنية توصف بالدولة العلمانية؟ وهو الأمر الذي يؤدي في كثير من الأحيان إلى الاختلاف والخلط بين هذه المفاهيم في وصف الدولة الأردنية.

وفي هذا السياق فقد أثارت تصريحات دولة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله النسور حول مدنية الدولة استياء خمسة وعشرين نائبا أصدروا بيانا يحتجون فيه على وصف الدولة الأردنية بالدولة المدنية، ومع كل الاحترام لمختلف وجهات النظر فإن دولة رئيس الوزراء قد أعطى الوصف المناسب لمدنية الدولة في أردننا الحبيب.
لذلك فقد وجدت من واجبي كباحث في الشؤون الدولية ومتخصص في القانون الدستوري والنظم السياسية أن أبين الوصف الدستوري المناسب لمفهوم الدولة في أردننا الحبيب وذلك وفقاً لما استقر عليه الفقه الدستوري المعاصر.

يذهب الفقه الدستوري المعاصر إلى التفرقة بين عدد من المفاهيم في وصفه لمفهوم الدولة، وذلك وفقا للتطورات والتجارب التاريخية التي عرفتها النظم السياسية، ذلك أن الاختلاف في المفهوم بين كل من الدولة المدنية والدولة العلمانية والدولة الدينية ذات الأفكار الثيوقراطية له عدد الدلالات والنتائج التي تعطي الوصف الساطع للحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لكل دولة.

وعليه يجب التفرقة أولا بين الدولة الدينية والدولة العلمانية في المفهوم الغربي، ذلك أن المفاهيم الثيوقراطية هي التي كانت مسيطرة على الحياة السياسية لدول أوروبا خلال العصور الوسطى، وهي التي أدت في ذات الوقت إلى البحث عن علمانية الدولة مع بداية عصر النهضة خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر.

وإذا ما نظرنا لمصطلح الدولة الدينية (الثيوقراطية) وفقاً للمفهوم الغربي ـ والذي جاء لاحقا ـ فانتشر كمفهوم سيء السمعة للدولة الاستبدادية الكهنوتية ــ قاتلة الحريات ــ التي حكمت أوروبا خلال العصور الوسطى (عصور الظلام)، عندما كانت الكنيسة مسيطرًة على مقاليد السلطة الزمنية والسلطة الدينية معاً.

هذا المصطلح الذي ترافق في المفهوم الغربي مع الدولة (الثيوقراطية)، لم تعرفه النظم السياسية الإسلامية منذ عهدها الأول قبل ألف وأربعمائة عام إلى يومنا هذا، بينما بقي هذا المفهوم سائداً لدى النظم السياسية الأوروبية لأكثر من ألف سنة، حيث كان إسناد السلطة في تلك الأنظمة يستند إلى النظريات الثيوقراطية (الكهنوتية)، ومن أبرزها نظرية الحق الإلهي ونظرية الإلهام الإلهي، وهي النظريات الدينية التي تبنتها الكنيسة عندما كانت مسيطرًة على مقاليد السلطة، فأوهمت الشعوب أن الحاكم أو الملِك هو ظل الله في الأرض، وهو الناطق باسم الذات الإلهية، ولا يجوز مخالفته أو عصيانه، مهما كانت تصرفاته، ومهما كانت الأوامر الصادرة عنه، وتُعدُّ أوامره إلهية لا يجوز مناقشتها.

وبهذا المفهوم لم تقبل الكنيسة في العصور الوسطى أي تطور علمي من أي عالم يأتي بأي حقيقة كونية أو غير كونية مخالفة للمعتقدات، فحاربوا العلم والعلماء، وقتلوا الفكر والإبداع، بل قتلوا الكثير من العلماء، وساد الظلم المصاحب للتخلف، والجهل المرافق للفقر، وهو الأمر الذي أدى إلى ظهور حركة التنوير في أوروبا، فظهر فيما بعد من حمَّل الكنيسة كلَّ الوزر، وأنها السبب في ذلك التخلف العلمي وفي أسباب الفقر والقهر، وبالتالي أخذ الصراع يشتد بين السلطة الكهنوتية (الكنيسة) والسلطة الدنيوية إلى أن انتهى بإقصاء الدين عن الحياة العامة وهو ما يسمى بالدولة العلمانية.

وعليه فإن الدولة العلمانية هي المقابل للدولة الدينية الثيوقراطية في الفكر الدستوري الغربي، ذلك أن الدولة العلماني هي الدولة التي تنتهج العلوم الدنيوية بعيداً عن العلوم الدينية، وأن المصالح الدنيوية هي الحاكمة للفرد والمجتمع في حياته العامة، بغضِّ النظر عن القيم والمبادئ التي تضمنها أي دين في تهذيب حياة الإنسان في دنياه.

وبهذا المعنى فإن المفهوم العلماني للدين يبقى بالأمر المحصور في الشؤون الشخصية لحياة الإنسان الخاصة، لا سيما العبادات وبعض طقوس الزواج والطلاق.

هذه المفاهيم الموروثة عن آثام النظم السياسية الأوروبية في العصور الوسيطة، والتي لا زالت كالشبح، تكتنف الفكر السياسي الغربي، دفعت ببعض العلمانيين في البلاد العربية إلى افتراض أن هذا المفهوم العَلماني للدين هو المفهوم الوحيد له، لذلك ترى بعضَهم ينتقد الدساتير العربية التي تقرر بأن الدين الإسلامي هو الدين الرسمي للدولة ــ ومن بينها الدستور المصري والدستور الأردني ــ بحجة أن الدولة ليس لها دين لأن الدين إنما يكون للأفراد، وبالتالي ينفون عن الدولة الصفة المدنية، فيغالون في وصفها بالدولة الدينية.

فيما كانت أول دولة أسسها الرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة، النموذج السياسي للدولة المدنية التي عرفتها النظم السياسية في الديار الإسلامية بالدولة المدنية ذات المرجعية والهويَّة الإسلامية، كان أساسها الشورى .حيث وضع نبينا صلى الله عليه وسلم أول دستور للحكم (دستور المدينة)؛ لينظم العلاقات بين المسلمين واليهود ومشركي المدينة في اثنتين وخمسين مادًة، تمثل أعظم نواة لدستور الدولة المدنية، الذي يحفظ حقوق الإنسان والمواطنة وحسن العلاقات مع غير المسلمين.

هذا الدستور الذي عرفته البشرية كأول دستور مكتوب، هو أكبر دليل يشير إلى أن الدولة في الإسلام ليست بمفهوم الدولة الدينية التي عرفها الغرب. إنما هو دستور الدولة المدنية، وهي دولة المؤسسات، فيها الاقتصاد والاجتماع والسياسة والتعليم والدفاع، وكلٌّ له مؤسسته ورئيسها، وُتحكم هذه المؤسسات بالقوانين والشرائع الوضعية التي لا تخالف الشريعة الإسلامية.

وعلى هذا الأساس جاء مفهوم الدولة المدنية التي عرفت فيما بعد: وهي الدولة التي تقوم على الشورى وعلى اختيار الأمة لحاكمها، وعلى العدالة بين جميع أبنائها، وتعتبر الحاكم فردا منها يجوز معارضته إذا أخطأ وحادا عن الصواب. وبالتالي فهي على طرفي نقيض مع الدولة الدينية ــ الثيوقراطية بالمفهوم الغربي الكهنوتي ــ التي يعتبر الحاكم فيها نفسه نائبا عن الله ويضفي على نفسه نوعا من القداسة فهو الحاكم بأمر الله لا تجوز معارضته لان أوامره مستمدة من الله.
بعد هذا العرض السريع للمصطلحات المستخدمة في وصف الدولة يمكن الانتقال إلى الوصف المناسب لمفهوم مدنية الدولة الأردنية وفقاً لأحكام الدستور الأردني، دستور دولة المؤسسات ودولة القانون.

هذه المدنية التي تتصف فيها الدولة الأردنية تنبع من أحكام الدستور الذي تضمن معظم الأحكام والمبادئ الدستورية المقررة في الأنظمة الديمقراطية النيابية المعاصرة، هذه المدنية والمعاصرة ــ المقررة في الدستور الأردني ــ لم تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، إنما جاءت أحكامه متفقة مع مبدأ الشورى ومبادئ الحرية والعدل والمساواة المقررة في شريعة الإسلام السمحة.

وعليه فإن دولة المؤسسات التي تعد من أبرز سمات الدولة المدنية، في معظم النظم السياسية المعاصرة، تعد أيضاً من أهم الأركان التي تتصف بها الدولة الأردنية، ذلك أن الدستور الأردني تبنى النظام النيابي القائم على مبدأ الفصل بين السلطات (التشريعية، والتنفيذية، والقضائية)، دون المساس بمبدأ التعاون والتوازن والرقابة المتبادلة فيما السلطات الثلاثة، هذا التعاون والتوازن الذي يعتبر من أهم أركان النظام النيابي البرلماني في الأنظمة الديمقراطية.

وفيما يختص بالصفة الثانية للدولة المدنية، وهي الدولة القانونية وفقاً لمقتضيات مبدأ المشروعية، الذي يقوم على خضوع الحكام والمحكومين وهيئات الدولة لأحكام القانون، دون تمييز بسبب اللون أو العرق أو بسبب الجنس أو الدين. ومبدأ المشروعية هو المبدأ المعمول به في المملكة الأردنية الهاشمية وفقاً لأحكام الدستور والقوانين والأنظمة الناظمة لسائر مناحي الحياة، والتي من شأنها صون الحريات العامة وحمايتها، وتوفير الأمن والسكينة العامة، وتنظيم علاقات الأفراد فيما ينهم ببعض، وفيما بينهم وبين السلطات العامة.

أما الصفة الثالثة للدولة المدنية وهي إقامة العدل بين الناس وتنفيذ أحكام القانون، فهي السمة التي اتسم بها النظام القضائي الأردني الذي يقوم على ثلاثة درجات من التقاضي، وفي موازاة ذلك وجود قضاء إداري ومحكمة العدل العليا، التي تمكن أي فرد عند توافر شرط المصلحة لديه من مقاضاة أي هيئة من هيئات الإدارة العامة، وذلك بهدف تحقيق أقصى درجات العدالة.

وفي هذا السياق تبرز الصفة الرابعة من صفات الدولة المدنية الأردنية، وهي تفعيل العهود والمواثيق الدولية والقوانين الناظمة لحقوق الإنسان وصيانتها، من خلال الحفاظ على الحريات العامة، بما في ذلك حرية التعبير وحرية إنشاء الجمعيات والأحزاب السياسية والنقابات أو ما يسمى بمؤسسات المجتمع المدني، وحرية إقامة أماكن العبادة وممارسة الشعائر الدينية لكافة المواطنين، وهي الحقوق والحريات التي كفلها الدستور ووضع لها الضمانات اللازمة بموجب القوانين والأنظمة النافذة.

خلاصة القول أن دولة رئيس الوزراء أعطى الوصف المناسب لمدنية الدولة الأردنية، وهو صاحب العلم والمعرفة في سمات الدولة المدنية في النظام السياسي والدستوري للملكة الأردنية الهاشمية، ذلك أن هذه السمات التي تتصف بها الدولة المدنية لا يمكن أن تتوافق مع سمات الدولة الدينية القائمة على الأفكار الثيوقراطية أو الراديكالية، أو على الفكر المتخلف للعصابات الإرهابية الداعشية المتطرفة، التي تستند إلى العصبية البغيضة وتنتهج نظرية الوحي الإلهي.

كذلك لا يمكن لسمات الدولة المدنية الأردنية أن تتفق وسمات الدولة الاستبدادية البوليسية التي قامت على أساس الانقلابات العسكرية وحكم العسكر في العديد من دول العالم الثالث بما في ذلك عدد من الدول العربية، وهي الدول التي تبنت شعارات راديكالية رنانة استندت إلى فكرة القائد الملهم صاحب القبضة الحديدية ــ تلك القبضة وذلك الإلهام ــ الذي أودى بتلك الدول إلى الدمار، ونقل شعوبها إلى المزيد من القهر والجهل والتخلف والضياع.

وفي الختام حفظ الله الأردن: قائداً وشعباً وأرضاً ومؤسسات.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :