facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




اللامركزية: الاشكالية اكبر من صياغة تشريعية


المحامي د. صدام ابو عزام
10-05-2015 03:16 PM

من المتفق عليه أن العمل الصياغي التشريعي هو المرحلة الاخيرة التي تنتهجها المؤسسات والسلطات الدستورية لإخراج ما تم الاتفاق عليه الى حيز الوجود، يتم ذلك عبر إضفاء الشرعية الدستورية والمؤسساتية وفقاً للأطر والعمليات المحددة بموجب القوانين الناظمة لعمل تلك المؤسسات.

وعليه، فإن إنضاج الافكار وتطويرها وعرضها للنقاش والتحليل من قبل الخبراء واصحاب العلاقة والاستماع الى الكافة يعتبر خطوة مركزية لا تقل أهمية عن مرحلة اقرار القانون بحد ذاته، بل ذهبت بعض التجارب الى استمطار الافكار عبر تنظيم عمليات وإجراءات مؤسسية مقرونة بضوابط وشروط مفادها عدم القدرة على الانتقال الى المرحلة اللاحقة بمعزل عن إتمام وإنجاز المرحلة السابقة على أكمل وجه بل وأجازت في بعض الانظمة المقارنة للسلطات التشريعة تطور المراحل الاجرائية لصناعة التشريعات.

ولا يفوتنا التنويه هنا الى أن عملية بلورة الرؤيا الوطنية حيال القانون محل النقاش ليست عملية منحلة من عقلها ولا يمكن تنظيمها وتقنينها، بل على العكس لا يمكن أن تؤتي أكلها بمعزل عن التنظيم الواضح الدقيق وفق معايير ومبادئ ومؤشرات واضحة المعالم يمكن الرجوع اليها. وتبرز هذه الاهمية وتلقى رواجاً منقطع النظير في القوانين ذات التأثير العام او الطابع العام، إختصاصات ذات طابع خاص لم يسبق ممارستها.
إن المتعقب لتطوير فكرة اللامركزية في الاردن يجد بأنها مرت بمراحل طويلة من النقاش والاخذ والرد، وخلال الفترة الاولى إنصب محور النقاش على إمكانية التطبيق من عدمه في الاردن وهل يصلح الاخذ بأحد اشكال اللامركزية بما يتناسب مع البيئة الادارية والمؤسسية والاجتماعية والثقافية في الاردن.

تلتها مرحلة النقاش حول الشكل الانسب والامثل للنهج اللامركزي المبغتى بعد توافر الارادة العامة حول الاخذ بنظام اللامركزية، هذه المرحلة رافقها العديد من التوجهات والافكار والغايات والاهداف المراد تحقيقها من هذا التوجه الجديد، يمكن إجمالها في: توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في صنع القرار، وادماج المواطنين في عمليات صياغة الخطط وتحديد الاولويات في مناطقهم التنموية، وتحسين تقديم الخدمات العامة وفق أعلى معايير الجودة والكفاءة، فضلاً عن قصر تقديم الخدمات على المؤسسات الوطنية ذات العلاقة وتفرغ المؤسسة التشريعية للأدوار الدستورية والرقابية، والمضي قدماً في بناء وتنفيذ مشاريع تنموية تسعى الى الحد من البطالة والفقر، كل هذه الاهداف تسعى بالنتيجة الى تكريس نمط ونهج المواطنة الفعالة والتي تنطلق من فلسفة المشاركة الشعبية والعامة للمواطن، والانتقال من دور المؤسسات او الدولة الرعوية الى مؤسسات المشاركة والتنمية، نحو حالة وطنية ناضجة وقادرة على استيعاب الاحداث والتعامل معها بكل قدرة وكفاية. هذه الاهاف لم تأتي من الفراغ وإنما يتم الاستدلال بها والاستناد عليها من كافة الخطابات والاوراق الوطنية العامة ذات العلاقة منها على سبيل المثال: الاوراق النقاشية لجلالة الملك، واللقاءات الدورية لجلالة الملك بالفعاليات الشعبية والقيادات المؤسسية، وخطب جلالة الملك في افتتاح دورات مجلس النواب، وكذلك التصريحات الرسمية لرئيس الوزراء والوزارء ذوي العلاقة.

امام هذه المؤشرات يأتي الدور المؤسسي المأمول نحو ترجمة هذه الرؤى والتطلعات وفق افضل التجارب والاليات والوسائل والاجراءات التي من شأنها ان تحقق وتصب في الاطار ذاته، وبالنتيجة ربط ذلك بالادبيات الفكرية والمحلية والاقليمية والعالمية وتطويرها وتفكيكها وإعادة بنائها على شكل تشريعات وسياسات وخطط توجه الممارسات.

ولا شك في أن التنمية البشرية المستدامة هي الغاية والنتيجة المراد الوصول اليها، هذه التنمية لم تعد خفية على احد من حيث المؤشرات المتمثلة في: التمكين، التعاون، العدالة في التوزيع، الاستدامة، الامان الشخصي. وهو ما عبر عنه في بعض المواقع بالحكم الصالح أو الحوكمة الحكم الرشيد.

وحتى لا يحمل التشخيص نوعاً من التعسف نؤكد على حقيقة مفادها انه لا يوجد نموذج مثالي للحكم المحلي أو اللامركزية، لما قد يحمله ذلك من عدم الاخذ بعين الاعتبار الفوارق الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية بين الدول، الا أن ذلك لم يمنع من تطوير معايير ومؤشرات ثابته يمكن القياس عليها لتقدير مدى نجاح أي أنموذج للحكم المحلي أو اللامركزي المطبق في أي دولة.

الاطلاع المبدئي على مشروع قانون اللامركزية يجد بحق غياب رؤيا وفلسفة نحو شكل الحكم اللامركزي المراد إنتهاجه، بل وأن العملية غدت في بعض محاورها عكسية، من حيث اصبح الكل يجتهد نحو الشكل المؤسسي المراد من هذا القانون وفق الصياغات لنصوص المواد المقترحة، هل المراد لا مركزية ادارية ام لا مركزية سياسية او غير ذلك، في حين أن الاصل أن يتم حسم الجدل قبل البدء في صياغة القانون، وبناء التصور العام ومن ثم يصار الى بناء القوالب القانونية، وفي حال الغموض أو اللبس يتم الرجوع اليها كأدبيات وأدوات تفسير للإستئناس بها نحو الغاية والمقصود من منطوق ومضمون النصوص.

في الواقع إشتمل القانون على (46) مادة مقترحة وبمراجعة بسيطة لتلك المواد نجد أن التي تتحدث منها عن اللامركزية لا يزيد عن (13) مادة من المجموع الكلي وتم تخصيص المتبقي منها لتنظيم العملية الانتخابية من تنظيم جداول انتخابية واعتراضات وطعون ودعاية انتخابية وغير ذلك، وكان الاجدر بالمشرع هنا الاكتفاء بنص في صلب القانون يحيل بموجبه مسألة تنظيم العملية الانتخابية للهيئة المستقلة للانتخاب بموجب تعليمات تصدر عن مجلس مفوضي الهيئة، وتخصيص هذا الهدر التشريعي لإستكمال التنظيم المؤسسي والاجرائي للعملية المؤسسية للامركزية.

وتضمنت المادة (6) من مشروع القانون نصاً يحيل مسألة تقسيم الدوائر الانتخابية والمقاعد المخصصة لها لنظام يصدر لهذه الغاية، وهنا يثور سؤال مهم ومحوري، اذا كانت عملية تقسيم الدوائر وتحديد المقاعد المخصصة لها سيتم بموجب نظام اذا على ماذا اشتمل القانون؟؟؟ ، اذ تعتبر مسألة تنظيم وتقسيم الدوائر الانتخابية هي جوهر القانون وتحوز اكثر من 50% من نجاح التوجه العام وبناء تصور نحو نموذج اللامركزية المبتغى ويتم بناء باقي نصوص القانون عليها.

وتم الاشارة في ذات المادة الى مسألة التعيين لما لا يزيد عن 25% من اعضاء مجلس المحافظة، وهنا تكمن عملية الربط العضوي مع احد الاهداف الرئيسة التي جاء القانون لترسيخها وهي توسيع المشاركة الشعبية وادماج المواطنين في عملية صنع القرار، وعليه ومهما كان المبرر، وطالما سلمنا بأن هذه احد الغايات التي يسعى القانون لترسيخها كان من الواجب البحث عن خيارات وبدائل تضمن ذلك، وتطوير الاختصاصات المؤسسية بأن تضمن الاستفادة من الخبرات والكفاءات المؤسسية والابقاء على مسـألة مشاركة المواطنين بصيغتها العامة المفتوحة بمعزل عن اسلوب التعيين.

وجاء في المادة ( 3) من مشروع القانون إناطة ادوار جديدة واختصاصات للحاكم الاداري " المحافظ" مع احتفاظه في الاختصاصات والادوار المخولة لهم بمجوب التشريعات الاخرى، وأن نظرة متأنية لجميع الاختصاصات الجديدة بمجوب هذه المادة نجد انها تتناقض مع جوهر القانون وتتضارب مع اختصاصات مجلس المحافظة والمجلس التنفيذي ومهام المجالس البلدية بشكل عام، وكأن ادراج هذه المادة في مطلع القانون يؤكد على أن النهج المراد تكريسه هو نهج الوصاية الادارية التقليدي، فضلاً عن أن ذلك ايضاً يتعارض مع التوجهات العامة للدولة الاردنية بضرورة أن يتوجه الحكام الاداريين لممارسة ادوار تنموية والانخراط والاسهام في تحقيق التنمية المستدامة في كل محافظة، هذا لا يتأتى من تكريس ادوار تقليدية او ممارسة الحكام الاداريين ادوار قيادية في مؤسسات اللامركزية، وانما يحتاج الى مراجعة شاملة ومتأنية لكفاة التشريعات المانحة للصلاحيات وتطوير تصور وطني عام يتساوق مع المرحلة الجديدة ومتطلباتها.

من جهة أخرى هناك شركاء فاعلين لاغنى عنهم لإتمام تجربة اللامركزية على أكمل وجه، يتأتى ذلك من خلال ادماج الشباب والمرأة ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص كأحد الفاعلين في المناطق التنموية اذا ما أخذنا بعين الاعتبار المسؤولية المجتمعية، فالمجتمع المدني بكل مكوناته هو الوسيط الحقيقي بين المؤسسات الرسمية وجمهور المواطنين ولا يمكن لمؤسسات الدولة مهما تضخمت أن تمارس مثل هذا الدور، وعليه كان من الواجب بل من الضرروي بلورة دور حقيقي للمجتمع المدني والاعتراف فيه كشريك حقيقي وفاعل في عمليات صنع القرار، وادماج المرأة التي لا تزال تعاني العديد من القيود المجتمعية نحو الاندماج الحقيقي في مؤسسات صنع القرار وتحديداً المبنية على المشاركة الشعبية.

هذا ولم ينجح مشروع القانون في تحديد المراجع المؤسسية بإناطة مهمة المتابعة والاشراف بوزارة الداخلية ولم يأتي من قريب او بعيد للإشارة الى وزارة البلديات والتي تعتبر ذاتب اختصاص اصيل في نموج اللامركزية أنى كان شكله، ويوكد ذلك ايضاً على حالة الهاجس المسيطر على عقل المشرع والتخوف نحو تنامي تلك الهواجس مما أدى الى هذا الاخراج التشريعي. فالعملية الانتخابية في اللامركزية تمثل حالة التربية الحقيقة على ممارسة الحق في الانتخاب، وتنشئة للأجيال القادمة في الاندماج بالحراك والنشاط الوطني العام، مما يتطلب معه المضي بالمشروع بكل قوة دون أي تخوف مهما زادت مؤشراته، وأن تكون الغلبة لصالح المشاركة العامة لا لصالح التخوفات والهواجس.

كل ذلك يعيدنا الى التأكيد على أن الاشكالية لم تعد في وضع تشريعات، وإنما نكون بأمس الحاجة الى فعالية في التشريعات، حيث أن هناك فرق كبير بين تطوير وتبني قواعد تشريعية بموجب قوانين أو أنظمة أو تعليمات وبين فعالية تلك التشريعات، ومدى قابيليتها للتطبيق بل وإسهامها في الحد من الاشكاليات التي جاءت من أجل تلافيها، أو تحقيق الغاية منها، بعكس ذلك، ستكون هذه التشريعات حمولة زائدة على المؤسسات الوطنية وتراكم حالة الكسل المؤسسي والتضخم الاداري وزيادة الاعباء المالية والادارية للمؤسسات والموازنة العامة، فضلاً عن تعميق فجوة عدم الثقة بين الواطن والمؤسسات العامة وزيادة في عزوف المواطن عن المشاركة العامة.

إن تطوير نموذج وطني لامركزي يتطلب الانطلاق من كليات عامة تمثل قواعد مرجعية معيارية للتشريعات والسياسات المعنية مفادها: زيادة في النمو والانتاجية بالتزامن مع العدالة المناطقية والاجتماعية، وتحول ديمقراطي على صعيد الدولة والمواطن، وتحقيق المشاركة الكاملة في عمليات صنع القرار ووضع السياسات، والغاء كافة أشكال وانواع التمييز الاقتصادي والاجتماعي والقانوني حيال كافة فئات المجتمع و لا سيما النساء، وتوطين الاليات المؤسسية التي من شأنها تحقيق الاندماج المجتمعي والتكامل الثقافي، الانطلاق من فكرة المواطنة وقيمها من تسامح وعدالة وسيادة القانون والتسامح وضمان بناء أجيال تؤمن بهذه القيم، وان تقدم المؤسسات الخدمات انطلاقاً من هذه المعايير.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :