facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




دقيقةُ كلام .. إلى غزة هدى

30-03-2007 03:00 AM

الساعة العاشرة صباحا ً،،، كانون الأول – 2006
كل ما هو موجود أو في طريقه للتواجد هناك يشير إلى أن الوقت هو غٌرّة
اليوم : الضوء
القادم من النوافذ ليصنع زوايا حادة و قائمة من الأمل ، الأحلام الذائبة في الهواء
نشمها و لانراها ، صوت احتكاك القلم بالورقة و الإنسان بالشيطان ، و أشلاء توقيعات
الحضور هنا و هناك ، سلة مهملات بدأت يومها ببقايا فطور جماعي ، و دخان سيجارة تحترق
مع صاحبها ، وروائح عطور نسائية و رجالية ترمي بظلها على الأرض لكن سرعان ما ترحل ، و
أفكار تقف طابورا ً على شباك الطرح اليومي عندما يبدأ الاجتماع في مكتب المديرة
الشكليّة مع غيرها من الصحفيات .



غابت تحرير عن هذا الاجتماع اليومي المنظّم طوال أسبوع ٍ كامل، و الجميع في المجلة
يعتقدون أنهم فهموا السبب، لكن دون أنْ يجهروا به. و مازال الصباح العربي يحتاج إلى
صوت فيروز الذي بات مؤشرا ً مسموعا ً كما عهدته تحرير أصغرهن سنا ً.



في هذا الحضور النسائي المتكرر يتغلب همُّ الإنسان على ميول جنسه، و تقف المشاكل
اليوميّة بخجل- بعد أن تجاهلها أصحابها - خلف باب الاحتلال دون طرقه . إلا أن العم أبو
جميل طرق باب المكتب ، ربما هو الذكر الوحيد في الطابق العلوي من المجلة ،و لأن النساء
أحيانا ً لا يُطقْنَ خدمة بنات جنسهن فقد وقع الاختيار عليه ليعمل " مراسل القهوة و
الشاي " في المجلة و هو يجيد صنعها و- شربها أحيانا ً معهن .

أبو جميل : صباح الخير يا " ستّات" .

الجميع : صباح النور.

أبو جميل يوزع القهوة:" ثلاثة فناجين قهوة حلوة و فنجانيْن قهوة سادة". أما فنجان
تحرير السادس الذي أحضره رغم علمه بعدم وجودها ، ذريعة ًو تحببا ً في البقاء.

المديرة سعاد أومأت له بالجلوس فبدأ هو الحديث :" لتكتب إحداكنَّ مقالا ً عن هدى .

عطاف: تقصد تحقيقا ً صحفيا ًو ليس مجرد مقال ، لفنون الكتابة الصحفية قوالب عدة يا عم
و موضوع كقصة هدى بحاجة إلى تحقيق يتقنه أمثالي .

قالت حنان محاولة منها لتثبيطها : هدى بحاجة لدعم مادي و إنساني و ليس دعم حبري.

عطاف : الكتابة وظيفتنا .

حنان : و هل تنفع الكتابة عن صورة وصوت هز الشاشات و ما هز ضمائر القادرين على ردم
دماره ؟ هدى ليست الطفلة الأولى و لا الأخيرة التي تنعم بخلود ورقي و هي تموت حزنا ً و
جوعا ً .ورغم ذلك .. فلنصوت .



رفعت عطاف و مريم أيديهن مؤيدات، و تشجع العم أبو جميل أيضاً ورفع يده" باب مساعدتها
مفتوح أمام الجميع و هذا لا يتعارض مع الكتابة عنها " انزعجت المديرة سعاد فطلبت منه
مغادرة المكتب . فغادر و هو يحمل صينية انزعاجه و فنجان قهوته المتطفل .



أبو جميل أيضا ً يستطيع طرح مواضيع للنشر في المجلة لكن لا يسمعه أحد ، أبو جميل أيضا
ًله قصة شخصية هو بطلها أو ربما المهزوم فيها .ربما هو لا يستطيع توزيع الأدوار بينه و
بين المحتل ، و حبك القصة و المعاناة التي شهدها مع أولاده، و لكن لو استمعت إليه
إحداهن لكتبت "سبْقا ً قصصيا "ً .



قامت حنان متجهة ً ناحية المذياع بعد أن انقطعت وصلة فيروز الصباحية و بدأت نشرة
الأخبار و رفعت صوته :" هذا و مع دخول لبنان يومه العاشر في نكبة إنسانية سببها العدو
الإسرائيلي إلا أن لبنان الحبيب يواصل صموده و مقاومته" .

بدأ الجميع يعتاد رتابة الاجتماع الذي يفتقد إلى تحرير ، قاطعت حنان هذا الاعتراف
الجماعي الجديد :"عمي الشهيد لم يصبر على ابنه كثيراً ،ناداه فلحقه البارحة في عملية
فدائية . أفكر في عمل دراسة موسعة عن الأسباب التي تدفع الفدائي للقيام بهذه التضحية
، و حياته ،وظروف عائلته، و ما تؤول إليه نتيجة هذه العملية".

مريم : ابن عمك كان حزينا ً لأن واقع الاحتلال حال بينه و بين خطيبته في العراق .

عطاف: هل تشكّكين في إيمان ابن عمها ؟

مريم : لا ، و لكنّها حقيقة لا نستطيع إغفالها .

حنان: الشهيد ابن الشهيد لا ينتظر شهادة من أحد .

دُقّ الباب .

سعاد : تفضّل .

أبو جميل : جئت لآخذ الفناجين .

سعاد : خذها .

أبو جميل " وإذ يعوده شبابه دوما ً، وجه صغير ألماسي يشقه من كل جانب لوزة زرقاء
بأهداب طويلة كقامته و نحيلة كجسده الذي يتوسطه نطاق كان يوما ما أبيض ، ربما نجد في
ثناياه مفتاح بيته في حيفا ، وصورة لابنه جميل و هو يزف إلى عروسه ، و جديلة صغيرة
شقراء كان يراها تتدلى على ظهر أم جميل من تحت شالها و هي فتاة ، وربما نجد أيضا قطعة
مسك صغيرة ، و سيجارة تارة يدسها في هذا النطاق وتارة أخرى يضعها خلف أذنه لتحتك
بقلنسوته المهترئة و تترك رائحتها العبقة كما تترك القهوة رائحتها على سنه الذهبي
الذي فقد بريقه بفعل القهوة السوداء و القهر الأسود اليومي . اقترح و هو ينظر إلى
مسعفته مريم : رائحة النعناع في مدخل المجلة الخلفي تفوح بعذوبة تذكرني برائحة أرض
أبي في حيفا قديما ً فرغبت بإعداد كوب ٍ من الشاي بالنعناع ؟ ضحكت سعاد بعفوية و
قالت:"بشرط أن لا تجلس معنا" . ولكن هذا الشرط خذله بعد أن اعتبر الشاي بالنعناع وسيلة
لبقائه بينهن و خرج متمتما ً: " من طلع بره داره قل مقداره ... أنا وين و حيفا وين ؟
اللاجئ لاجئ حتى في بلده" .

أما منيرة فما زالت تقبع في واد ٍ آخر غير الذي تهيم فيه صديقاتها في المجلة ، و
تغمض عينيها للتركيز في استجماع قوتها لطرح موضوع شخصي يتعلق فيها كمادة للمجلة .
الجميع يعرف أنها ما عادت تسكن مع مراد ،و أن سجن الاحتلال غيّبه عن الدنيا ، و لا
تعرف إن مازال في الرمق بقيّة يلعق بها قلب جرحه المحكوم بخمس مؤبدات . هي لا تريد أن
تكتب عن حزنها الذي لا يكف عن استنهاض حضور زوجها الروحي مع كل صباح . هي تريد أن
تكتب عن حزنه و عذاباته التي زوجوها له غصبا ً عنه ، تعود إلى جو الاجتماع ... .

مريم : هل نصوّت؟

سعاد : "بالطبع" . رفعن جميعا ًأيديهن تأييدا ً للموضوع .

مريم : و أنا فكرت خلال الأيام الماضية أن أكتب عن ما تتكبده زوجة المظلوم و المحتل من
" فش خلق " زوجها عندما يصب جام حنقه و قهره و مقته للمحتل و ظروف الاحتلال عليها .

ابتسمت منيرة محتفظة بموضوعها الشخصي في أرشيف قلبها دون أن تنظر لمريم : إذن ابدئي
بزوجك .

مريم : و من أخبرك أن زوجي محتل ؟

منيرة : ماذا تعنين؟

مريم:زوجي تنطبق عليه صيغتان نحويتان " اسم الفاعل و اسم المفعول من محتل"، ماذا تسمي
يا سيدتي مساعد مهندس البناء في احدى المستوطنات الإسرائيلية ؟

سعاد: أعتقد أن هذا يدخلنا في موضوع تحقيق آخر .

قالت منيرة قابضة ً حزنها الشخصي كجمرة من الجمرات المستجدة يوميا ً في راحتها : أنا
أختاره .

عطاف : اعتقدت أنك تهتمين بأمور ذات منحنى آخر تتعلق بشكل المرأة ؟

منيرة : شكلها و ذاتها ، لطالما فكرت و تساءلت لماذا يهب الله الجمال لفتيات و يحرم
غيرهن منه؟

تدخلت حنان معترضة : من اللائق جدا ً أن تنشر مجلتنا مقالا ً عن الجمال في وقت يتزامن
بالوصول إلى ذروة المآسي الإنسانية هنا و هناك .

سعاد : و لكن المجلة غير متخصصة ... و كون فلسطين محتلة لا يتعارض مع كون فلانة رائعة
الجمال .





انتهت النشرة الإخبارية و عاد صوت فيروز، و مارسيل خليفة ، و أحمد قعبور بأغانيهم
الوطنية يذكرون الحاضرات بالغائبة تحرير .تُحدّث مريم نفسها بعد أن ضجّت ورقتها
البيضاء بحبر ترددات صوتها المخنوق :"أشعر أن تحرير ستأتي اليوم ".

عطاف : كفانا استماعا للأغاني الوطنية على المذياع !

سعاد : أخبرتني الحركة أن التلفاز و الصحن الفضائي سيصلان للمجلة بعد أيام .

يطرق باب المكتب من جديد ، تقف مريم أصغرهن سنا ً دون تحرير : ألم أقل لكن ؟

هلعت سعاد لتفتح الباب : إنه العم أبو جميل ..... الشاي ، تفضل .

تأفف الجميع لأنه لم يكن تحرير . و شعر أبو جميل بإحباطهن و فهم السبب فعلّق : ولكن
تحرير ستأتي .

الجميع : يارب! إنشاء لله ! ياريت !

قدم الشاي المحلى و غير المحلى و كوب الشاي السادس قدمه لنفسه تصميما ًمنه هذه
المرة على بقائه معهن و سأل سعاد : أرجو أن تسمحي لي !

تدخلت المجتمعات : اسمحي له ، دعيه يا سعاد .

جلس يدندن قبل أن تسمح له سعاد بذلك أغنية شعبية :" يا اولاد حارتنا / يويا نصبوا
طارتنا / يويا / طارتنا اطير/ يويا / طير العصافير/ يويا .. "

سعاد " لا مجال للرفض " : أرجو أن تكون مستمعا ً فقط .

حنان : لا أصدق أن فتاة مثل تحرير في مثل هذه الأيام و لا تملك هاتفا ًخلويا ً .

سعاد: ربما نحن فقط نصدق ذلك .

تدخل أبو جميل :ولكن الحركة توفر لكل واحدة منكن هاتفا ًخلويا ً.

منيرة : رفضته.

أبو جميل : و هاتف المنزل ؟

مريم :لا من مجيب .

سعاد : ربما مجدي هو السبب .

عطاف : يقول مجدي إن مجالس العوانس و المطلقات و الأرامل مريضة بهموم بطلاتها ، أوه
!نعم ، نسي زوجة الأسير . كره لنا حاضرنا كمستقبل لها . و لكننا صحفيات نعمل و نجد و
لا نقضي يومنا كالقوارض نأكل الغث و السمنة طريقنا ، نهرم و نحن لا نحفظ إلا آية الكرسي
وسورة الفاتحة .. .

تابعت منيرة : جل همنا اليومي هو طبخة يحبها الزوج و الأولاد ، ننام و نحن كاظمين
غيظنا من كيد حماة ، نستيقظ و نحن نسمع مكالمة تلفونية بطليها الزوج و عشيقته .

العم أبو جميل أراد أن يبخر هذه الغيوم القريبة جدا من طاولة الهموم حتى كادت تمطر على
أعينهن و طرح فكرة أخرى سمعها من إحداهن قبل أيام : ماذا عن الغزواي الذي يدفع ضريبة
هويته في كل مكان ؟

يسمع الجميع طرقات على باب المكتب و يسود الصمت .... .






الكاتبة محررة في جامعة اليرموك

smellcofe@hotmail.com





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :