facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




المزاج الشعبي


د. رلى الفرا الحروب
16-10-2008 03:00 AM

أروع ما في العمل في الجامعة رغم مشقته ذلك اللقاء الفريد اليومي بكل طبقات المجتمع من شتى الانتماءات والولاءات والأصول، إذ لم يكن علماء اللغة مخطئين حين أسموها الجامعة فهي حقا تجمع ألوان الطيف وتتيح فرصا نادرة للتعلم المستمر.

عالم الجامعة غني بتنوعه، ويبدو من بعيد كقوس قزح بل كمجموعة من أقواس قزح تلتقي وتتناغم أحيانا وتتقاطع وتتعارض أحيانا أخرى، ولكن المتأمل لتلك الأطياف المدهشة يستشعر مزاجا جمعيا مشتركا يعمل عمل الخيط الرفيع الذي ينظم مكونات تبدو متنافرة ولكنها في الواقع تحمل الكثير من نقاط الالتقاء.

ومن يتأمل أطول يستشعر تلك الوحدة النفسية المزاجية بين مكونات الجامعة من أساتذة وطلاب وإداريين ومراسلين وحراس وعمال زراعة ونظافة، وبين المجتمع الأكبر بمكوناته التي نلتقيها في الشارع والمطعم والمخبز ومؤسسات الدولة وهيئات المجتمع المدني ومؤسسات القطاع الخاص، وهو ما يحول الجامعة إلى مجتمع حقيقي هو صورة مصغرة من المجتمع الحاضن. في الجامعة كما في الشارع وأي مؤسسة أخرى تستقبلك تكشيرة جبارة على وجوه الأغنياء والفقراء، ويكون رد السؤال اليومي المعهود "كيف الحال" في أحسن أحواله ( وهي النسبة الأقل): ماشي.. هينا عايشين! أما في أسوأ أحواله (وهو الأغلب): " زفت..مش منيح! عايشين من قلة الموت" أو "زي امبارح، بس الله يستر من الجاي" أو " أي هو فيه عيشة في هالغلا" أو مش شايف شو اللي صاير؟ أي هو الحال بده سؤال؟ خليها على الله يا مواطن" !!! حتى الشباب من الجنسين ورغم أنهم لا يعانون من الديون التي "تهد الحيل"، ولا يتحملون أعباء مسؤوليات جسام كما آباؤهم ورغم أنهم زبائن جدد في دكان المستقبل الواعد الذي يفترض أنه ما زال يفتح أحضانه لهم ويعدهم بأجمل الوعود، فإن إجاباتهم لا تختلف كثيرا عن تلك التوليفة العجيبة وكأنما هناك اتفاق خفي بين الجميع بأن الحال في أسوأ حال!!

الجميع يشكو بدءا من الصغير وحتى الكبير، والجميع يحسب دريهماته ودنانيره ويفكر مئة مرة كيف ستكفيه حتى نهاية الشهر، أما الأسعد حظا فيحاول إجراء معادلات مستحيلة يمكنه بواسطتها سداد أقساط الشقة والكهرباء والماء وأجور المدارس والجامعات والنقل والأطباء وصور الأشعة، وينتهي به الحال إلى الاستسلام والبقاء في الإيجار مدى العمر بعدما يتبين أن شراء الشقة ليس إلا خدعة كبرى، ويتبع ذلك استسلامات أخرى على صعد التعليم والصحة والملبس وأغراض المنزل وانحدار من جرف الطموحات إلى فجاج الواقع. تدخل قاعة الدرس فتواجهك تلك التكشيرات المحكمة وتفكر في طرق لانتزاع البسمة رغما عن أنوف العابسين، وتحول بعضا من طاقتك إلى ميدان الفكاهة عل وعسى أن يتخلى الطلبة عن ذلك القناع الذي يرتدونه منذ الصباح الباكر، وحينما تشعر أنك قد نجحت وأن الابتسامات قد علت الوجوه الذابلة والأعين الساهمة إلى حين، وتنصرف إلى درسك لتختلس النظر بعد قليل، فلا تجد إلا سحابة الهم قد عادت لتطفو على الجباه، وهكذا تفكر من جديد في نكات أخرى ضمن موضوع درسك لتكتشف أنك قد تحولت تدريجيا إلى بهلوان يحاول أن يرضي الأميرة الحزينة لا كي يفوز بالجائزة التي رصدها الملك بل كي يسعدها ويعلمها أن الحياة رغم قسوتها جديرة بأن تعاش، ولكن الأميرة لا تبتسم حتى تعبس من جديد.

تتجه إلى رئيس القسم لتجد التكشيرة الأزلية بين الكتفين، ويواجهك الزملاء العابسون عبوس الطلاب، فتحاول لعب الدور ذاته كي تخضر حديقتك، ولكنك عندما تدير ظهرك تفاجأ بأحدهم يقول: "يا أخي...أي هو شو على باله؟! ما هو مبسوط وما وراه هموم"!! تقود سيارتك في طرقنا الأفعوانية الخشنة التي تشبه بنطلونات الجينز الضيقة بلا سحّاب، فتكحل عيونك وتشنف آذانك بمرأى سائقي النقل العام الذين تتدفق المسبات من بين شفاههم تدفق الشلالات بين الصخور، ثم وبينما أنت مستغرق في الاستماع إلى موضوع هام على أثير إذاعتك المفضلة إذا بزمور رهيب يخترق طبلة أذنك ويرميك من فوق السحاب إلى قاع مليء بالدبابيس والأشواك تتبعه حركة يد معيبة وشتيمة صاخبة لسائق يريد تجاوزك رغما عن أنفك وأنف القانون، حتى تجد نفسك وقد دخلت الدوامة دون أن تشعر وإذا بك تزمجر وتزمهر وتكشر وتبدأ باستعادة سيل السباب الذي كنت تستمع إليه طيلة يومك.

تتجه إلى المخبز لتناول رغيف العيش وحبات القرشلة والبسكويت لتجد أن السعر قد ارتفع وأنك قد عدت بأقل مما حملته الأسبوع الماضي بعدما نقدت من يجلس على "الكاش" مكشرا عن ابتسامة زائفة مبلغا أكبر، فقط ليصفعك بدعوته الغريبة: "معوضين"، وكأنه محصل ضرائب لا دخل له برفع الأسعار، فالحكومة مسؤولة عن كل شيء، أما هو فعبد الله لا حول له ولا قوة!! يتكرر المشهد الغريب في كل مكان، والحق دوما على الحكومة، فهي التي ترفع علينا أسعار النفط وهي التي تحرر السوق وهي السبب في كل موجات الغلاء، "ولكن أسعار النفط قد انخفضت يا إخوان، فلماذا ما زالت البضائع في ارتفاع"؟ سؤال يجيبك عليه متحذلق مبتسم ابتسامة ثعبانية: " خيو...هذا النفط الخام، مو مشتقات النفط وغيرها...احنا عنا مصاريف كتيرة، وارتباطنا بالنفط الخام ضعيف"، ثم عندما يركبك النكد وتقرر مجاراته في منطقه وتسأله ببلاهة: " ولكن لماذا إذن ترفعون الأسعار مع ارتفاع النفط الخام إن كان تأثركم به ضعيف"؟ يقول: "وبعدين حبيبي....بدي أعطيك درس في الاقتصاد"؟! فتقرر أن تقصر الشر وتدير كتفيك كما تديرهما لكل شيء وتعود إلى البيت علك تجد بعض الراحة.

في البيت تقابلك الأفواه الجائعة تصيح بطلبات تتزايد في كل عودة، " بدنا موبيل، ليش صحابنا كلهم عندهم موبيلات واحنا لأ؟ بدنا MP3 أو I Pod ، مش معقول نكون احنا الوحيدين اللي مش واصليتنا التكنولوجيا؟ بدنا فايلات وآلات حاسبة المس إذا ما جبناهم راح تنقص علاماتنا، بدنا مصروف راح نطلع رحلة مع المدرسة، أواعينا كلها مش نافعة، بدنا أواعي على الموضة، يعني لازم اصحابنا يضحكوا علينا"؟ وهكذا تتدفق الطلبات بلا توقف وتشعر أنك بنك أمريكي مفلس ضربته رياح الرهن العقاري وأزمات التمويل، فتتجه إلى التلفاز لتبحث فيه عما يسليك، فتصفعك نشرات الأخبار بأعاصير وزلازل وبراكين وانفجارات ومجاعات وأمراض وحروب حتى تحول المحطة وتبحث عن فيلم، فإذا بمشاهد عنف مروعة تصعق أحاسيسك كصعقات الكهرباء التي تستخدم لتعذيب المساجين، فتقرر أن تذهب أخيرا إلى النوم وقد باتت كشرتك أصيلة تخترق أعماق أعماقك، وهناك، في السرير، لا تتمكن من خلعها، لأنها تجد المزيد من الأسباب كي تتعمق وتتلبسك كقناع جيم كيري الأخضر، وحتى عندما تغمض عينيك تبقى كل عضلاتك في وضع استنفار، وإذا بالكشرة تطاردك حتى في المنام الذي تستبدل أحلامه بالكوابيس. هذا هو المزاج الشعبي...فهل من حبة بندول حكومية أو مخصخصة تعدله؟

rulaalhroob@yahoo.com





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :