الطراونة .. أم من طراز فريد
21-03-2017 01:47 PM
عمون- نـوف الـور- الأم الحقيقية هي التي تربي، وليست التي تنجب فقط، هي التي تسهر، تقلق، تكابد، تواصل الليل بالنهار لراحة اطفالها، والام البديلة داخل اسوار مؤسسة الحسين الاجتماعية هي أم حقيقية من نوع مميز، ام لأطفال ليسوا من جوفها الا انهم من حشاشة قلبها.
سميحة الطراونة أقدم أم بديلة، أم مجبولة بطعم الحنان، أم رغم انها لم تتزوج، الا انها ربت اجيالا مميزين، تقطع طريق رحلتها من الكرك الى قلب العاصمة عمان، لكي تمكث اسبوعين في الشهر بجوار ابنائها الثمانية، بنات وابناء المؤسسة التي قضت فيها قرابة نصف عمرها.
سميحة أم مليئة بالعطاء، تهب المحبة بلا حدود وبلا مقابل ، كيف لا وهي التي ربت اجيالا كثيرة، مئات الاطفال كانت هي مصدر الثقة لهم، وهي الآن أم لـ8 اطفال ممن شاءت اقدارهم ان يكونوا من فاقدي الوالدين او فاقدي الاب او ضحايا التفكك الاسري.
تروي سميحة أجمل ايام حياتها في سطور، فسنواتها موزعة بين اطفال اصبحوا شبابا خارج أسوار المؤسسة وما زالوا ينادونها "ماما سميحة" واطفال انتقلوا لمؤسسات اخرى يتواصلون معها متى سمحت الظروف، وأخرون تحت جناحيها، تراعيهم طيلة اسبوعين شهريا، الى ان يكبروا ويلتحقوا بأخوتهم، وتضم الى قلبها ابناء جدد تلدهم الاقدار ليكونوا لها.
سميحة أم كرفيقاتها –غير الكثر- الذين عوضهم القدر بأطفال كل منهم يشكل جزءا من قلب كبير، أم شاء الله الا تتزوج، لتكون ملاذ هؤلاء الاطفال الذين لا حول لهم ولا قوة، ولا عائلة ولا مأوى، مع كل هذا فعلاوتها المؤسسية ورفيقاتها لا تتجاوز 20%، وهي لا تكفي مقارنة بالجهد المبذول، والمواصلات البعيدة من الكرك الى عمان، في ظل صعوبة الظروف الحياتية والاقتصادية عموما، ولا رفاهية نفسية لديهن.
في عام 1997 بدأت امومتها الاولى كانت صعبة فكلما هو محيط بها بات غريبا، الا انها سرعان ما تقبلت الارواح الملائكية، واحبت بيتها البديل، فنصف العمر تقضيه هناك، وسط مئات الابناء على مدار 20 عاما.
واجمل ذكرياتها كانت الزيارات الملكية لجلالة الملك عبدالله الثاني لبيتها واطفالها، وكلماته التي تزرع الامل بعد طول الالم، وتستذكر ايضا فرح الجميع للتحضيرات التي قامت بها مؤسسة الحسين عام 1999 لاستقبال المغفور له بإذن الله الملك الحسين بن طلال، الا ان المرض لم يمهله اكثر، ولم تتم الزيارة.
واصعب ذكرياتها توديع ابنائها بعد ان يقضوا فترة اقامتهم في المؤسسة، فالذكور بعد عامهم العاشر ينتقلون الى مؤسسة اخرى وكذلك الفتيات بعد عمر الـ13.
تسافر سميحة في افكارها وتتلكأ الدموع في عينها وهي تتحدث عن مساواتها للجميع في الحب والعطاء والحنان و أن اهم ما تزرعه في ابناءها "الاخلاق والقوة والثقة بالنفس"، في ظل ظروف حكمت بأن يكون الواقع هكذا.
والى كل أم وكل أب "حافظوا على ابنائكم، فأنا مهما منحتهم من مشاعر سيبقى الطفل بحاجة لحنان الام وأمان الاب، فأنا على عتبات الخمسين وما زلت استذكر والدي، واحتاجهما حتى الآن، فكروا مليا قبل التضحية بفلذات قلوبكم واكبادكم".