الأردن قلعة صامدة .. ووطن شامخ مستقر بفضل القيادة الهاشمية
24-05-2009 09:38 PM
عمون - د. حسام العتوم *
كما يعتقد البعض من الجيل الجديد فإن الأردن الوطن الغالي لم يستقل فجأة أو مرة واحدة يوم الاثنين تاريخ 25/5/1946 في عهد جلالة الملك المؤسس المغفور له بإذن الله عبد الله الأول، فالثورة العربية الكبرى المجيدة التي أطلق عنانها ورصاصها وصهيلها وصليلها الشريف الحسين بن علي من مشارف مكة 1916 وتقدم كوكبتها وسط صحراء العرب تجاه البلاد الشامية الأمير آنذاك عبد الله بن الحسين واستقبله على الأرض الأردنية خيرة من رجالات الأردن أمثال عودة أبو تايه ومثقال الفايز وغيرهم قصدت البناء والاستقلال والوحدة والحرية والحياة الفضلى الكريمة ليس للأردن وأبنائه فقط بل ولكل العرب أرضاً وناساً، فوجهة الثورة ركزت على بناء دولة الأردن وتوحيد بلاد الشام وبناء دولة العرب أيضاً بعد التحرك من المد العثماني وآثاره السلبية التي فرضت الجهل والأمية وتأخير دخول تقنية الطباعة والصحافة، لكن مؤامرة مشتركة نسجت بين الإنجليز والفرنسيين من أجل مواجهة مد الثورة وتحطيم مشروعها الوحدوي حيث قوبلت بفرض معاهدة سايكس بيكو 1916 الصهيونية الأصل لتمزيق الخارطة الشامية، وبفرض وعد بلفور 1917 المتشابه الجذور بهدف تصدير إسرائيل إلى أرض فلسطين وإلحاق الضرر بشرق الأردن وهو ما استطاعت الثورة أن تواجهه وتصده بقوة.
إذا ما حفرنا في تاريخ البناء الأردني المتين فإننا سنجد أن عصور ما قبل الميلاد مثل الحجري قبل مائة ألف عام شاهدة عليه، ثم البرونزية قبل وبعد التاريخ حيث ظهرت المدن، وظهر عصر الهكسوس الكنعانيون، وظهرت حضارة الأنباط أواسط القرن السابع قبل الميلاد وجعلوا من البتراء عاصمة لمملكتهم التي شملت وادي رم والطفيلة ومادبا وجرش، وتأتي تسمية الأردن كما هو معروف نسبة إلى نهر حرمون النابع من جبل الشيخ اللبناني، وعلى أرض الأردن استشهد الحارث الأزدي رسول الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) أثناء وصوله لنشر الإسلام، ثم استشهد رسله (صلى الله عليه وسلم) الآخرون أمثال زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحه، وهكذا يتواصل البناء من زمن وجيل إلى زمن وجيل آخر، وبينما كان رئيس الوزراء في عهد الإمارة يسمى بالكاتب الإداري ورئيس مجلس المشاورين أصبح يسمى برئيس الوزراء فقط في عهد الإستقلال، والاستقلال الأردني مر بمراحل مفصلية هامة يمكن اعتبار كل مرحلة منها استقلالاً بعينه، فتاريخ 30/3/1921 هو تاريخ تأسيس حكومة وطنية في شرق الأردن برئاسة الأمير عبد الله وبجهد الثورة العربية نفسها، وتاريخ 25/5/1946 شهد تحول الإمارة إلى مملكة أولى بقرار من المجلس التشريعي، وتاريخ 8 كانون الثاني 1952 صدر الدستور الأردني بعد صدور قرار وحدة الضفتين 1950، وفي عام 1956 وبناءً على رغبة جلالة الملك الراحل الحسين طيب الله ثراه تم تعريب الجيش وإنهاء خدمة الجنرال كلوب باشا، وفي عام 1967 يخسر العرب فلسطين لعدم استماعهم لنصائح جلالة الملك حسين وهذا ما يؤكده سعد جمعة رئيس الوزراء الأسبق في كتابه المؤامرة ومعركة المصير، وفي عام 1968 الأردن ينتصر في معركة الكرامة باسم كل العرب ويضع حداً للمد الصهيوني الإسرائيلي تجاهه، ويتواصل بناء الأردن على كافة المستويات رغم شح الموارد تحت وفوق الأرض، ورغم اهتزاز المنطقة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، ويضع الشهيد وصفي التل وقبله هزاع المجالي لمساتهما الإنجازية على صدر الأردن أيضاً.
أكبر وأهم إنجازات الأردن تحققت في عهد جلالة الملك الراحل الحسين بسبب حنكته السياسية وبعد نظره، وبسبب أن النظام السياسي الملكي يورث الملك والإنجاز من الأب إلى الابن بعكس الأنظمة السياسية الجمهورية التي تورث الإنجاز لنظام سياسي جمهوري مختلف إلا ما ندر منها، وأهم هذه الإنجازات على سبيل المثال لا الحصر هي تعريب الجيش وانتصار معركة الكرامة الذي يسجل أيضاً لقواتنا المسلحة الأردنية الباسلة بقيادة المرحومين الجنرال مشهور حديثة الجازي والمشير حابس المجالي، والانتصار للديمقراطية بعد ما سمي بهبة نيسان 1989، وعدم اللجوء لتطبيق حكم الإعدام على أصحاب القضايا السياسية الصعبة وهو ما ورثه الأردن من عهد إلى آخر منذ ولادة الإمارة وسط ظروف سياسية واقتصادية صعبة تبعت نهاية الحرب العالمية الأولى ثم مع بدايات عصر المملكة نهاية الحرب العالمية الثانية، وتوقيع معاهدة سلام أردنية دولية مع إسرائيل عام 1994 صوت عليها البرلمان الأردني آنذاك وقادها بشجاعة عبد السلام المجالي رئيس الوزراء الأسبق، وهي التي مكنت الأردن من رسم حدوده وتحقيق بعض الميزات له ولأبناء فلسطين رغم عدم إلتزام إسرائيل بكافة مفردات المعاهدة خاصة المائية منها، ورغم معارضة توقيه المعاهدة هذه من قبل اليسار الأردني الناصري القومي والبعثي القومي والشيوعي والإسلامي المتشدد وغيرهم من الوطنيين الأردنيين الأحرار، وبنفس الوقت نلاحظ بأن الدولة الأردنية لم تفرض التطبيع مع إسرائيل على مواطنيها وعلى مؤسسات الدولة الإعلامية والمدنية، ومن أهم هذه الإنجازات أيضاً بناء الجامعات الأردنية الكبيرة، ومدينة الحسين الطبية، ومدينة الحسين للشباب، وقناة الغور الشرقية، ومطار الملكة علياء الدولي، وسكة حديد العقبة، وشبكات الطرق والمياه والإنارة والبنوك والتي على رأسها البنك المركزي، وبناء وزارة الإعلام بهدف الدعاية للإنجاز الأردني وحماية والدفاع عن الدولة الأردنية أمام المطبات السياسية والعسكرية المتلاحقة، وفي المقابل شكل رحيل جلالة الملك الحسين صدمة كبيرة لكل الأردنيين عام 1999 ولا زال الحزن على رحيله يخترق بيوتنا، ولا زال يوم رحيله العالمي المشهود يركن في ذاكرتنا، وتستدل ستارة المملكة الثالثة بكل ما حملت من إنجاز وحزن، ويجد الأردن نفسه واقفاً أمام عهد ملكي جديد يتقدمه جلالة ملك شاب وفارس مبدع هو عبد الله الثاني بن الحسين، ويقف خلفه رجالات أردنيون بارعون على رأسهم دولة عبد الرؤوف الروابدة المعروفة بذكائه ووطنيه وبلاغته، ويستمر الأردن بالنهوض منفتحاً على السياسة وعلى الاقتصاد وبتوازن، ويتمكن من التحدث بالسياسة بمهارة عالية مع دول العالم، ويحول السياسة إلى اقتصاد واستقرار رغم استمرار شح الموارد وظهور غيرها مثل الحجر الزيتي واليورانيوم إلى جانب الفوسفات والبوتاس، ويستمر في استقطاب الاستثمار التنموي وفي غرس الإنسان الأردني وسطه لكي يبتعد عن الفقر والبطالة وعن الهجرة المعاكسة من الأرياف والبوادي إلى العاصمة عمان والمدن الكبيرة عواصم المحافظات، ويشكل دوائر متخصصة مستقلة لمكافحة الفساد المالي والإداري باعتباره الناخر الأكبر في التنمية، ويعمل على تحويل إدارة الإعلام الأردني من المركزية إلى اللامركزية والإنفتاح والمهنية العالية والتعددية والشفافية والاستقلالية ويسجل هنا لرئيس الوزراء الأسبق فيصل الفايز حسمها بوضوح بعد الإرتكاز على رؤية ملكية سابقة لجلالة للملك الراحل الحسين وعلى رؤية حالية لجلالة الملك عبد الله الثاني وعلى صيحة للدكتور مروان المعشر من وسط حكومة عبد الكريم الكباريتي عام 1996، ويتحول هذا النهج الإعلامي الجديد من خطوات تكتيكية إلى خطة عمل استراتيجية متوسطة وبعيدة المدى عن طريق حل وزارة الإعلام واستبدالها لاحقاً بحقيبة إعلامية واتصالية توجيهية ورقابية شبه تنفيذية، وينتقل الأردن بالكامل إلى إدارة محافظاته لا مركزياً بعد التخطيط لرفد مشاريعها بالمال المطلوب، ويحاول الأردن أن يتخلص من البيروقراطية والاتوقراطية الإدارية لكن انخراط المجتمع الأردني بالقبلية والعشائرية الأسرية وابتعاده بنسبة مئوية عالية عن الحزبية والمدنية شكلت عائقاً أمام الإطاحة بالمحسوبية والوساطة وسط كافة المستويات الإدارية الهرمية للدولة ومع هذا يسجل لحكومة المهندس نادر الذهبي تحقيق العديد من الإنجازات خاصة على مستوى الاستثمار والبناء المتواصل في مجال الاقتصاد.
أكبر أسلحة السياسة الخارجية الأردنية تكمن الآن في تلاحمها مع القضية الفلسطينية العالقة حتى الساعة من دون حل جذري ومع هذا فالأردن أكثر بلاد العرب نضالاً وتفرغاً للنضال من أجل الوصول لمرحلة حل (الدولتين) وتحطيم الجدار العازل بعد إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية وعدم المساس بعرب فلسطين التاريخية من الفلسطينيين تحديداً وبعد تفعيل حق العودة إلى فلسطين لمن هجّر عن أرضه قسراً بقوة السلاح ولا مطامع سياسية للأردن في المقابل في فلسطين رغم أنه معني بمخرجات الحل النهائي للقضية برمتها وبعدم تعديل مبادرة السلام العربية التي دعت لإعادة الأراضي العربية المحتلة مقابل سلام شامل مع إسرائيل والتمسك بحق العودة، والأردن منسجم مع كافة دول العالم في طروحاته السياسية ويحاول إقناع إسرائيل بها رغم تجديفها بالإتجاه المعاكس عن طريق رفض حل الدولتين ونشر الإستيطان والدعوة لحكم ذاتي محدود الجغرافيا.
بقي علينا أن نختتم حديثنا هذا بالدعاء للعلي القدير عزّ وجل أن يبقى الأردن قلعة صامدة ووطناً شامخاً مستقراً ومزدهرا بفضل قيادته الهاشمية الحكيمة.
* جامعة البترا