هذا التساؤل طرحه امس حيدر محمود في مقالته بالزميلة الدستور. في البداية لا يرى الشاعر الكبير ان هناك فصلا بين من يعملون في الثقافة ومن يعملون في الاعلام, وهم في اغلبيتهم القابضون على جمر الكلمات بأيديهم. وأنا اوافقه هذا الرأي الذي يطلقه من تجربته المديدة في الاعلام والثقافة معاً.
من توفيق الحكيم ونجيب محفوظ الى زكي نجيب محمود ويوسف السباعي واحسان عبدالقدوس مرورا بمؤنس الرزاز وخليل الساحوري ويعقوب عويس وحسني فريز, وصولا الى الروائي العالمي ماركيز كان المثقف والكاتب والشاعر اعلامياً بالفطرة والمهنة ايضا, فلا يوجد خط فاصل بين ما هو اعلام وما هو ثقافة.
فالمثقفون, ومنهم الكتاب والشعراء الاردنيون وجدوا دائما في الصحافة الاردنية مكانا للمهنة واكتساب لقمة العيش اضافة الى انها المنبر الذي يروج لاعمال المثقفين والكتاب والفنانين من خلال الصفحات الثقافية والاخبار والمتابعات والمقابلات ونشر القصائد .. الخ.
بهذا المعنى, الصحافة الاردنية تدعم الثقافة اكثر من وزارة الثقافة واكثر من الحكومات جميعا, واذا كان هناك ضرورة (لضريبة) لدعم الثقافة فإنها بالضرورة ايضاً يفترض ان يمنح بعضها او جزءا منها للصحافة من اجل دعمها وحثها على التوسع في القيام بدورها تجاه الثقافة والمثقفين.
واعود للاقتباس من شاعرنا الكبير بأن الصحافة الاردنية ليست صحافة مليونيرية فهي تعيش منها الاف الاسر, وتدفع ضرائبها بالكامل, ولا تصل اليها (الاعفاءات اياها) التي تصل الى هؤلاء الذين لا يريدون ان تكون لدينا صحافة متميزة, لا تمد يدها لأحد, لا في الداخل ولا في الخارج.
خلال اكثر من لقاء, في دبي, اثناء عقد اللقاء السنوي لمنتداها حول الصحافة, كنت وزملائي رؤساء التحرير نواجه بعبارات الدهشة وعدم التصديق من قبل رؤساء تحرير صحف عربية, عندما نرد على تساؤلاتهم (عن من يدعم صحفكم?) بأن: الصحافة الاردنية لا تتلقى معونات من الدولة وهي تعيش على مواردها الاعلانية, وتدفع الضرائب كاملة, ونضيف, بأن الصحافة تساعد الحكومة بطريق غير مباشر في بعض الجوانب ومنها التوسع بخلق الوظائف ونشر الاعلانات الحكومية.
لا يعرف الزملاء الصحافيون العرب, كما لا يعرف المواطن الاردني ان الصحافة (تساعد الحكومة) وليس العكس. ففي هذا الزمن الذي تعتبر فيه صناعة الصحف مكلفة جداً, في الورق والطباعة والتسويق, وغير ذلك, فان الصحف الاردنية تنشر للحكومة عددا من الصفحات يومياً (الاعلانات الرسمية) بسعر لا يساوي ثمن الحبر والورق الذي تكتب عليه. وبينما ثمن الصفحة الاعلانية حوالي 2100 دينار, فانها تباع للحكومة باقل من 300 دينار. مع ان الصحافة تدفع ضريبة المبيعات, ويدفع الصحافيون ضريبة الدخل.
ومساهمات الصحافة الاردنية لا تقتصر فقط على خدمة القطاع الثقافي وضرائب الحكومة واعلاناتها. فهي لا ترد اي طلب من وزارة المياه ووزارة الصحة والبيئة ووزارة التربية.. الخ, عندما تريد نشر ارشادات للمواطنين او لابلاغهم امرا ما. كما لا ترد اي طلب لمؤسسات المجتمع المدني في نشر الاعلانات المجانية بمناسبات عدة القصد منها خدمة المواطنين والترويج لنشاطات هذه المؤسسات والفعاليات.
بهذا لا تستحق الصحافة الاردنية العقاب, لا من الحكومة ولا من النواب بفرض ضريبة الـ 5 بالمئة باسم دعم الثقافة. من يدعم الثقافة عملياً هي الصحافة, واذا كانت هذه الصحافة (لا تمد يدها لاحد, لا في الداخل ولا في الخارج) فمن حقنا ان نغضب وان نتساءل لماذا هذا الاستقصاد لتكسير مجاذيف الصحافة واضعافها ومحاصرتها وخلق الضغوط المالية عليها, هذه الصحافة التي (تتفرد) بين الصحف العربية في تمويل نفسها باعلاناتها.0
taher.odwan@alarabalyawm.net