عمون - تتناول أعمال المصورة والفنانة البولندية غوانا بيوتروسكا، الأعراف التي تقود المجتمعات وتحركها خاصة في مجال البحث عن السكن والمأوى. وتعكس أعمالها التي عرضتها تحت اسم "بدون عنوان"، في معرض أقيم مؤخرا في منارة السعديات بأبوظبي، حاجة البشر الغريزية إلى المأوى والملجأ والاستقلال الذاتي والهوية.
ويعلق القيم الفني في المعرض حماد ناصر، على أعمال بيوتروسكا، مشيراً إلى أن العثور على مأوى من الاحتياجات البشرية الأساسية، بدءاً من الأعمال الإنشائية المؤقتة المصنوعة من الورق المقوى لمن لا مأوى لهم، وحتى الصروح الزجاجية الشاهقة في حياتنا العصرية المصممة خصيصاً لتلبية جميع احتياجات الأثرياء".
ويضيف، أن بطلي "بدون عنوان" يظهران واثقين ويشعران بالراحة عند رجوعهما إلى حجرتهما المليئة بالكتب، وغيرها من الأدوات المنزلية التي تحولت إلى وحدات بنائية.
قط.. لوحة.. غطاء أبيض
وتقول طالبة تاريخ الفن والمصورة التركية، يريم أيكان: "من أجمل أعمال بيوتروسكا في التشكيل الفوتوغرافي، صورها حول فكرة الملاذ، وما تعكس من مشاعر الفرد، وواقع المجتمع، أحياناً الواقع الخفي، أو الذي لا يناقش عادة في الحديث العام اليومي، رغم إلحاحه الدائم، كصورة تظهر امرأة مستلقية بثياب قطنية في رواق ضيق بين بابين، خلفها تظهر لوحة على الجدار وبجانبها يرقد قط أليف، تمد يدها له، وتنظر بطريقة تبدو جوفاء للوهلة الأولى، ثم تجد أنها يشوبها حزن وانعدام الرغبة في الخروج من هذا النطاق، الذي يحده أيضاً رف معدني صغير يحمل أبرز المتعلقات التي تعني لصحابتها، وغطاء أبيض يظهر جزءاً منها ويخفي الكثير".
وتضيف أيكان "صورة كهذه، تحمل العديد من الأفكار المرتبطة بحاجتنا إلى مساحاتنا الخاصة، ولانكماش المقدرة في عصرنا على نيل هذه المساحة، وكذلك تعقيد الأمور في الخارج، حيث اللهاث وآلاف الأمور التي تستوجب التعامل معها، ناهيك عن الفروقات الفردية وضرورة فهم الاختلافات بيننا، كجزء لا يتجزأ من وجود كل فرد، مثل لقطة أخرى تظهر فتاة شابة، تحيط بها كتب مكومة بجانبها في وضع أشبه باحتضان خلاصة الممتلكات، بينما يرتفع غطاء على أعمدة خشبية قصيرة، ربما هو كرسي أو طاولة، ترتكز بدورها على بعض تلك الكتب. هنا الملاذ يكون بين دفتي الورق، والحاجة له درع من جنون الحياة وصخبها خارج الذهن، أو خارج الملاذ".
إدراك الذات
ويقول المصور الإماراتي، خليفة الرميثي: "الحاجة إلى مأوى من أهم الأزمات بسبب الضغوطات المتعلقة بالحياة العصرية وما تفرضه على أغلب البشر، فيما يخص استقرارهم. وليس فقط أي مأوى، بل من شروطه الأمان، وأن يحمل شيئاً شخصياً لكل منا للوصول لحالة أقرب للراحة مع النفس، بل وحتى إدراك تلك الذات، وهذا بالضبط ما نراه في عمل بيوتروسكا، وهي مناقشة تصويرية ذكية، تصل للمشاهد بيسر، كونها تلمس قضية عالمية مشتركة".
واشتهرت بيوتروسكا في مجموعات فوتوغرافية تناولت فيها مواضيع تتعلق بالعائلة وعلاقاتها المركبة والمتداخلة والمعقدة، ونشرت كتاباً بالعنوان نفسه حاز على جائزة "الكتاب الأول" في بولندا عام 2016، ونالت بعد ذلك جوائز فنية متعددة بين عام 2015 و2016، ولفت مشروعها بعنوان "انفعال" لاحقاً المشهد الفني في بلادها.