facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




المساكين .. م.غيث القضاة

12-09-2009 05:32 PM

كتبَ الأديب المصري الكبير مصطفى صادق الرافعي كتابه الرائع(المساكين) قبل أكثر من ثمانية عقود و قد جعل في مقدمته كلامًا جميلاً و مؤثرا ،حيث قال : (هذا كتابُ المساكين،فمن لم يكن مسكينا فاني أرجو ان لا يقرؤه .... لأنه لن يفهمه، ومن كان مسكينا فحسبي به قارئا و السلام.....) و قال أيضا في المقدمة: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول في بعض دعائه ؛اللهم أحييني مسكينا و أمتْـني مسكينا و احشرني في زمرة المساكين ،فقال له أنس بن مالك رضي الله عنه :يا رسول الله .... إنك لتكثر من هذا الدعاء ! فقال عليه السلام: يا أنس(( إن رحمة الله لا تفارقهم طرفة عين )) و قد خُيّر عليه الصلاة و السلام أن يكون له مثل جبل أُحد ذهبًا ... فقال عليه السلام (( لا يا رب ، أجوع يوما فأدعوك ...... و أشبع يوما فأحمدك)) .

و لعل الرافعي قد تحدث في كتابه عن الفقر ( لا لمحوه ) و لكن للصبر عليه ! و تحدث عن الغنى (لا رغبة في إفساده على أهله) و لكن لإصلاح ما يفهمُ منه غيرُ أهله ، و تحدث الرافعي عن قصة (الشيخ علي) و هو رجل ريفي بسيط ليس له جيبٌ يُمسك درهما ،و لا جسدٌ يُمسك له ثوبا، و لا دارٌ تؤويه....و لكنه كان يعيش بطبيعته فوق الحياة و فوق الناس لأنه يعيش في نعمة الرضا !! وتحدث إلى جانبه عن قصة الغني العجوز الذي حسب أنه سيطر على الحياة لأنه ملك المال ، فهذه زوجته الصغيرة في السن التي انتشلها هذا الغني بماله من الفقر الجائع ، و التي وهب لها المال و كل مقومات الحياة الرغيدة ، و لكنه سلبها نعمة الشعور بالحياة!!.و كأني بها قد كتبت إليه ذات مرة رسالة قالت في آخرها...(حسبي بأنني و حسبك أنك ؛ سّرًا، ُيمزّقني وليس ُيقال)! ؛و قد أشار في كتابه بان معنى السعادة الحقيقي بجملته قد تجده ملقىً تحت الشمس في زاوية من زوايا القرى أو متفيئا ظل شجرة في الريف ، أو نائما تحت سقف معروش من الحطب!! ، فالسعيد الحقيقي ليس بحاجة إلى مال أو جاه أو سلطان ، فقد تُقفل في وجهه كل أبواب الدنيا و تفتح في وجهه كل أبواب السماء !!!

أُف ٍلهذه الدنيا !يُحبها من يخاف عليها، ومتى خاف عليها، خاف منها؛ فهو يشقى بها ويشقى لها. ولقد أعرف أشخاصاً حُرموا خيراً كثيراً لعدم إدراكهم لحقائق هذه الحياة من فرح أو حزن ،فيا ليت شعري أيهما الصدق في حقيقته-كما يقول الرافعي- : ما نفرح به أم ما نحزن له ؟ ....فهذا زوجٌ قد ترك زوجته و هجرها هجرًا نفسيًا مؤلمًا، أو لعله ظل معها ُينكّل فيها و يظلمها و يتفنن في تعذيبها عذاباً نفسياً وكأنه يريد لها أن تموت معه يوماً بعد يوم غير آبه بعواطفها ومشاعرها وهي مسكينة تستجديه يوماً بعد يوم: أن بالله عليك إستقم، وأصلح حالك... فما عاد لدي قلب يتحمل أو جسدٌ يصبر ،حتى صارت تردد في نفسها( لعمر الله ما الفقر خلو من المال؛ولكن أقبح الفقر الخلو من السعادة !) .

وذاك مسكينٌ أُبتلي بزوجة لا تعرف للسعادة طريقاً؛فليست ترى في هذه الحياة شيئاً إلا وجعلت فيه نكداً وبؤساً، ولعل لها اسم السعادة وفيها معنى الشقاء، فيخسر هذا المسكين لذة الشعور بالحياة ويشعر دوما بأنه لا تاريخ لحياته ولا حياة لتاريخه! ،وكأني قد ُُوجدتْ بين أوراقه التي أخفاها عن زوجته طوال حياته ُقصاصة قال فيها :(بأن الغنى أن تملك من الدنيا ،ولكن أحسن الغنى أن تهنأ في الدنيا ......).

وذاك مسكينٌ قد(عقّ) أحد أبويه أو كلاهما وأعتقد بأن الحياة ستسير معه كما يشاء وما كان يعلم (أخزاه الله ) بان ربه بالمرصاد! وهو لا يعلم بأن أفقر الفقراء هو من لا يجد غذاء شعوره وليس الذي لا يجد غذاء بطنه ! لأن لذة المال لا تتجاوز الحواس الظاهرة ولكنه لن يستطيع أن يبتاع بكل ماله لذة حب والديه أو رضا والديه اللذين إن غضبا عليه أدخلاه النار لا محالة.
واهاً لبخيل(قبّحه الله) قد جمع ماله وعدده ، ثم حرص عليه حرصاً جعله جباناً ثم جعله ذليلاً مستعبداً لهذا الدرهم والدينار حتى يلقى الله،وحسبه ما يقول الرافعي عن الرجل البخيل بأنه بحاجة إلى نبي وحده ليصلحه!.

و لعله من غريب ما يكون كما قال الرافعي : انه أينما ذهب الإنسان تلقته أسئلة كثيرة:ما اسمك؟ما صناعتك؟كم عمرك؟كيف حالك؟ماذا تملك؟ما مذهبك؟ما دينك؟ما رأيك؟...ثم يبطُل هذا كله عند القبر كما تبطُل اللغات البشرية كلها في الفم الأخرس،و هناك في القبر يتحرك اللسان الأزلي بسؤال واحد للإنسان : ما أعمالك؟ .

كتاب (المساكين) كتاب رائع مؤثر، أنصح الجميع بقراءته فلعله ُيطهّر هذه القلوب التي صدئت ، وينير الدرب لهذه العقول التي ضلّت إلا من رحم ربي! ....كتبهُ الرافعي وأضاف عليه في سنين عده، وجعل فيه قيماً و معان يندُر أن تجدها في كتاب غيره،بأسلوب أديب مرهف الحس ،رقيق القلب ،قوي العاطفة، ولكني أنصحك أن لا تقرأه إلا إذا كنت مسكينا، لأنك لن تفهمه.

م. غيث القضاة
ghaith@azure-pools.com





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :