facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




تشيرنوبل والربيع الأخير


د. عاصم منصور
01-06-2019 03:24 AM

اختارت محطة “إتش بي أوه” الأميركية إحياء العالم للذكرى الثالثة والثلاثين للكارثة النووية “تشيرنوبل” لتبث على حلقات الفيلم الذي يحمل نفس الإسم، لتذكر العالم بالخطر الكامن الذي تشكله هذه المفاعلات التي وإن كانت تحمل إسماً لطيفاً “الاستخدام السلمي للطاقة النووية”، او كما سماها الروس بـ”ذرّة السلام” إلا أنها لم تكن سلاماً على سكان بلدة بريبيات الوادعة ولا حتى على أجزاء واسعة من نصف الكرة الشمالي.

ما تزال ذكرى هذه الكارثة ماثلة في مخيلتي وأنا أركب القطار متجهاً من مدينة دانتسك في الشرق الأوكراني إلى بيلاروسيا ذات ربيع والأجواء الاحتفالية لا تخفى في البلدات التي كنا نمر بها، كيف لا ونحن على أعتاب احتفالين مهمين على رزنامة الاعياد السوفييتية عيد العمال الذين يمثلون الشرعية الايديولوجية للدولة السوفييتية ويوم النصر على النازية والذي يعتبر بمثابة الميلاد الثاني للدولة. كان الصغار والكبار يجوبون شوارع المدن وساحاتها يرتدون ملابسهم الزاهية ويحملون الاعلام الحمراء التي يتعانق فيها المنجل والمطرقة، والموسيقى الوطنية تصدح في كل مكان والجميع في غفلة عن الموت القابع لهم مع كل دفقة هواء يتنفسونها وكل شعاع شمس يلامس اجسادهم، بعد أن حاولت السلطات التكتم على الحادث حفاظا على كبرياء الدولة إلى أن فضحته الدول المجاورة بعد ان رصدت ارتفاعاً مخيفا في نسبة الإشعاع.

فهذه البلدة الصغيرة التي بنيت على عجل لتؤوي عائلات العاملين في المفاعل النووي والتي لم يسمع بها أحد من قبل أصبحت فجأة حديث العالم، كيف لا وهي الطاعون الذي أصبح ينشر الموت والرعب في أوروبا والعالم.

لقد كشفت حادثة تشيرنوبل حجم الخراب الذي كان نخر في جسم دولة العمال والفلاحين والفساد المستشري فيها والذي لم تستطع تغطيته القوة العسكرية الهائلة التي كانت تمتلكها، وشكلت آخر العلامات الكبرى على الانهيار القادم للامبراطورية السوفييتية، والتي لم تصمد أكثر من خمس سنوات بعد الحادثة. ولم يتوقف الامر عند الفساد السياسي والاداري فقد كشفت تشيرنوبل عن حجم الفساد الاخلاقي من خلال اصرار السلطات على تأخير اخلاء السكان في المناطق المنكوبة مخافة انكشاف حجم الكارثة مفضلين التضحية بالالاف في سبيل المحافظة على الشعور الوطني المتورم والزائف.

لقد طوى الموت مدينة بريبيات وأصبحت مدينة أشباح عادت لتستوطنها الجوارح والكواسر، وقد تم دفنها تحت آلاف الأطنان من الإسمنت والطمم لكن هذه لم تستطع أن تدفن حقيقة القوة التدميرية التي يحملها الإنسان لنفسه، وأن فساد الدول كالسوس في السن ينخرها من أساسها ولا يلبث ان يقوضها رغم مظاهر القوة الزائفة.
لقد خلفت الكارثة آلاف الضحايا، وما تزال مناطق واسعة من أوكرانيا تشهد زيادة في عدد حالات السرطان وخاصة سرطان الغدة الدرقية، لكن السؤال الماثل هنا، هل استوعب العالم الدرس؟!





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :