facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




صعود عمان وسقوط القرى


د.مهند مبيضين
18-07-2019 01:58 AM

ربما لا تشابه عمان كثيرا من العواصم العربية الراهنة، فبعضها يتمتع بإرث حضري ومدني، وهي مأهولة عبر قرون مضت، وذلك مثل دمشق والقاهرة وتونس.
أما اختلاف عمان في كونها مدينة نمت وتطورت وازدهرت في الزمن الاستعماري، فكانت أواخر العهد العثماني وحتى نهاية عقد العشرينيات مجرد بلدة كبيرة، وتشكلت نواة المدن الأردنية في الكرك والسلط وعجلون وفي هذه المدن محاكم شرعية ومدارس وإرث حضري ومديني وأسواق واغراب وتجار وافدين.
لاحقا تقدمت اربد على حساب عجلون والسلط، وكان لعامل الهجرة من فلسطين بعد 1948 عامل رئيس في نموها السكاني، مع ذلك فإن عامل الهجرات، لا ينفي أن عمان واحدة من المدن العربية التي نمت في ظلّ الرأسمالية الحديثة، التي تشكلّ في ظلالها مجتمع تجار متعدد من شوام ونابلسية وحجازيين ونجديين (من العقيلات) وغيرهم، وتطور هذا النمو بشكل برجوزاية وافدة اضيف لها الدور الذي قامت به العائلات المسيحية الاردنية والتي كونت ثروتها بفعل المنحى الإقطاعي والمهارات التجارية والمغامرة مثل عائلة ابو جابر والنبر وغيرهما، والتي قامت بادور وطنية في الحركة الاقتصادية ذات اهمية كبيرة.
وفي ظلّ الحرب العالمية الأولى برزت أهمية كبيرة لتجارة زمن الحرب، ونمو الاملاك لبعض التجار، والتي عززتها سياسات الدين والإقراض المُيسر، لمجتمع الفلاحين والبدو الذين تحطمت قدرتهم في الصمود في مواجهة غواية التاجر الشامي والعمّاني المركب الانتماء والهوية، وظل هذا الأمر مستمراً لغاية منتضف الثلاثينيات، وكان سوق السلط وسوق اربد وعمان مسرحا لعمليات البيع والمراباة والصفقات والتجارة المشروعة والحرام، وقد وثقت النصوص الادبية والرواية الأردنية هذا التحول اكثر من أعمال المؤرخين، مثل رواية ابناء القلعة لزياد قاسم وعمان في الاربعينيات لعبد الرحمن منيف وطاهر العداون في روايته «وجه الزمان»، والأخيرة اخرجها سعود الفياض الخليفات ورصد العداون الحياة في الاردن وفلسطين إبان عقد الاربعينيات، وكانت شخصية زهير النوباني في دور «عليان» التاجر الجشع الذي يرابي عبر وكيله حابس العبادي بدور «ضيف الله» في القرية مثالاً على ذلك التحول والسلطة التفكيكية التي واجهها مجتمع الفلاحين.
ثمّ كان مسلسل ام الكروم للكاتب مخلد الزيودي واخراج سعود الفياض الخليفات ليرصد تحولات عقد السبعينيات، والذي قدم صورة عن تحولات الريف وتحطمه، ونمو العاصمة على انقاض المجتمعات الريفية والبدوية التي كانت حولها.
لم يكن بوسع ابناء الريف الاستقرار في احياء عمان القديمة التي سكنتها النخبة الإدرية ومجتمع التجار والافندية مثل مناطق جبل عمان واللويبدة مثالاً عليها، وتركز المنحدرون من أصول ريفية والبدو والذين عملوا في الجيش والوظائف البسيطة وحرس البادية والأمن والوظائف الصغرى والتي شكلت مجتمع البيكوات، في المناطق المطلة على وسط البلد والمقابلة له، من جهة الجوفة والتاج وجبل القصوروغيرها.
لاحقاً، سوف تأخذ هذا المناطق في نهاية الثمانينيات شكل المناطق الشعبية، وسيضاف لها ضاحية ابو نصير الجديدة التي سكنها العاملين في الدولة من متقاعدين مدنيين وعسكر، وستبدو أبو نصير ذات هوية مقابلة لمجتمع رجال الأعمال الذي سيفرض ايقاعه على المجتمع من خلال توسيع شبكة التحالف من خلال الوكالات التجارية والبنوك وشركات التامين وغيرها.
تفككت البنية الفلاحية البدوية، بفعل الصدمة بالرأسمالية الحديثة، وبفعل هشاشتها واستلابها من قبل اقتصاد السوق والخدمات، لم تقوَ على الصمود، بل غرقت بعضها في الديون، فظهرت بؤر ونخب غاضبة لاحقا، من خلفيات ريفية او سياسية ايدلوجية، ومع التذكير بحقبة الحرب العالمية الثانية وتجارة الكوتا، التي افادت منها عائلات محددة بقيت حتى اليوم في المشهد السياسي والاقتصادي امثال الطباع وابو قورة وبدير وابو جابر وثمة تفصيل كبير لهذه الاحداث في كتاب المؤرخ الفذ رؤوف ابو جابر الموسوم بـ» تاريخ الاردن الاقتصادي من القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين».
عملياً انتهت عمان بفعل الهجرات إلى حالة تضخيم هائلة غير متوقعة للمخططين، لكنها نهاية تعجلت مسار التطور المتوقع فانهارات القرى ورحل ابناؤها إلى العاصمة، وبيعت الأرضي حول العاصمة وفتت المُلكية، وصعدت العاصمة كمدينة كوزمبولولتانية، وفي المقابل صعد الفرد مرة غاضبا مرة وفاعلا اجتماعيا أو ممثلاً لمحيطة الجديد من الانتماءات التي ارتضى بها أو وفرت له الحماية والدعم.
التحول الكبير سيطرأ على عمان بعد 1990 ومن ثم بعد 2010 وهي سنوات أزمة، ستعيد المدينة اختبار قوتها في صهر القادمين إليها، ولسوف تنجح في ذلك، لكنه نجاح مُلّكف والابقاء عليه في ظل تبعيات تضخيم العاصمة وانتصارها على الريف والبدو وبقية المدن ربما يكون من الصعب الحفاظ عليه إلا إذا خلقت مدن وظيفية جديدة في محيط المدينة تابعة لها وليست بعيدة عنها كمثال أبو نصير.

الدستور





  • 1 عاصم بطاينة 18-07-2019 | 02:17 PM

    مقال جميل و عميق


تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :