facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




عيدُنا تغيّر أم سنواتُنا غيّرتنا ؟


حسام المناصير
12-08-2019 01:05 PM

في ذاتِ العيد وفي نفسِ المكان ومِأذنةُ الجامع القريب تصدح ب ( الله أكبر الله أكبر .. ) بصوتِ أطفالٍ صغارٍ يشاركهم رجلٌ كبيرٌ صاحبُ صوتٍ عميقٍ وجهوريٍ يساعدُعم على إمساكِ المقام والتأديةِ الحسنة .

نستيقظُ بعد سهرة البارحةِ ودموعُ الفرحةِ تذرفُ وها قد أتى اليوم المنتظرُ مع سعادةٍ تغلبُ عليها كلُ مظاهر التعب ، ونتلمسُ بايدينا وأعيننا شبهِ المغلقة ( بدلةَ العيد ) والحذاءَ الجديد صاحبَ الرائحةِ النفاذة التي عبّقت في كلِ أجواءِ الغرفة و نحاول الإستيقاظَ من شدتِها وشوقِنا للعيد واجواءهِ ولياليه وكل ما يحمل من قُبَلٍ وابتساماتٍ ومواقف .

نعم أنا نظيف ورائحة شعري الزكية تتغلبُ على رائحة الكالونيا الخاصةِ بوالدي التي وضعتُها على رقبتي وخديَّ بطريقةِ ضربِ الكفوف ويصاحبُها اللسعةُ من شدةِ حدةِ موس الحلاق البارحة وهو يحاولُ أن ينهيَ حلاقتي خلال خمسِ دقائق ليجمعَ أكثرَ ما يستطيعُ من الغَلّة في ليلةِ الوقفة .

( على سنجة ١٠ ) من كافةِ النواحي سواءٌ من الترتيب واللياقة والكَيّ والنظافة والرتابة ، ولا ننسى رائحةَ الكالونيا الأصلية والمحفظةَ الجديدةَ الكبيرة التي تستعصي أن تدخلَ في الجيبِ الخلفي بسببِ كمية الاوراق التي فيها ولا أدري ما هي الاوراق ..
تتكون محتويات المِحفظة من مجموعة أوراقِ إمتحانات كنتُ قد حصلتُ فيها على علاماتٍ جيدة وبعضِ بطاقات وعروضِ المحال التجارية الموجودة في منطقتنا وبطاقةِ تأميني الصحي المنتهية من ثلاث سنوات والقليل من المناديل ( الفاين ) لتضخيمِ حجم المِحفظة .

أتجهُ مسرعاً نحو غرفة أبي وأمي لأسلَّمَ عليهما وأقبّل يديهما وأنتظرَ من والدي العيدية (دينار) حيث لا أنتظرُ من والدتي شيئاً لأنها كانت قد إشترت لي (لبسةً) إضافيةً ونبهتني أنها لن تعطيني عيدية ، ويعطيني والدي الدينار وأتجهُ به بسرعةِ الضوْء إلى القرطاسية أو المكتبة أو محل بيعِ الألعاب لأشريَ أي لعبةٍ يقعُ نظري عليها لكي أُثبتَ لنفسي وبالدليلِ القاطع أنني في العيد والأمرُ حقيقي .

اعاود للمنزل وما زالت الساعةُ الثامنة صباحاً وأشتمُّ رائحةَ (المعلاق) والبصل وزيت الزيتون ووالدي منهمكُ في طبخه حيث إن والدي لا يتدخلُ في الطبخ الّا في المعلاق وأحيانا في المنسف ، نفطرُ المعلاق والبطن تمتلئ عن آخرها .

ومن ثم تتوالى زياراتي لبيوت أعمامي القريبة لألتقطَ اية عيديةٍ وأضعها في المِحفظة بجانب صديقاتها لأجمع أكبرَ مبلغٍ أستطيعُ جمعَهُ لأتباهى به أمام أبناء الجيران وبين الأقارب والإخوة ، وأخرجُ مع جولة أبي التي لا أعرف لماذا تبدأُ بزيارةِ المقابر لزيارةِ عماتي وأقاربي والمِحفظةُ تزدادُ حجما كلما مرَّ الوقت لتصاب بمرض التخمة ، ولا أستطيعُ حشرَها في جيبي الخلفي وذلك لأن الكثيرَ من الأقاربِ أعطاني عملة معدنية ( نصف او ربع دينار ) والمعدنُ يعطي المحفظةَ شكلاً غير َمنتظم ومنفوخ الى حدٍ كبير .

يأتي وقتُ الغداء وهنا تبرزُ كل معاني الإفتخار والعزة بشراءِ وجبة شاورما من المطعم القريب والجلوسِ على المقاعد التي في المطعم التي كنت لا اجرؤ على الجلوسِ عليها في الأيام العادية ، ومسدسي ( الخرز ) على جنبي ومحفظتي بين يدي ولا تفارقُ ناظريّ .

الهو والعب وأركض وأتعب وأشرب العصير ( زاكي ) وأذهب الى حمام عشرين مرة ولا اكلّ ولا املّ وأُفرغ كل طاقتي على إبتساماتي وصرخاتي وحركاتي ، وعندما يحل الليل أرجع الى البيت وكلي سعادة اني حققت ما أصبو إليهِ من ساعاتِ لعبٍ ومسافاتِ ركضٍ وعرضٍ جميل بلبسي الجديد (عرض ازياء) ، وأخلع حذائي والمفاجئة ! لا تخرج منه الرائحة المعتادة ( المقرفة ) بل تخرج منه تلك الرائحةَ التي سبقَ وتحدثتُ عنها ، وأرى كمية من الخطوط الحمراء على قدمي الصغيرة من آثار الحذاء الجديد الاسرع والاقوى والاجمل مقارنة بكل احذية اصدقائي ولا أُحس بأوجاعها .

كميةُ العرق التي ذرفتُها في هذا اليوم كافيةٌ أن تُتلف الملابس لا أن تتسخَ فقط ، فتأخذها أمي وتضعها في الغسالة وتدلني على مكان (اللبسة) الثانية التي سألبسها في اليوم التالي وتكون (اللبسةُ) أقلَ رسمية من الاولى ..

ننام وأحلامنا معلقةٌ على جفوننا و أمنياتُنا محملةٌ في عقولنا بيوم العيد الثاني على أن يحمل معه خيرا أكثرَ من سابقه ..
وتمر الايام وتتوالي الأحداث ويزداد الوعيُ والإدراك ، ويقل الاهتمامُ بالتفاصيل ويزيد التدقيق على الامور العملية ، وينتهي التفكير بكل شيء يلهي القلب والبال بشكل العيد واجواءه وشخوصه ..
وينتهى اليوم الأول من العيد وأنت عائدٌ من خارج المنزل وتحتسبُ كميةَ النقود التي انفقتها كعيديات وتَعُدُّ المتبقي لتعرف إمكاناتك لليوم الثاني والفعاليات التي ستقام به .

زادت مسؤولياتنا وزاد إهتمامُنا بغيرنا أكثرَ منا ، وتقلصت الأحلام التي رسمناها ، وزالت البهجة التي عهدناها ، وتغيرت كلُ ملامح العيد بنظري .

ولا أدري هل عيدُنا تغير أم أن سنواتنا غيرتنا ؟





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :