facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




أعرفُها من عطرِها


جريس سماوي
01-01-2020 03:26 PM

تتفتّحُ القريةُ كأزرار الوردِ على هدأةِ الزمنِ مثلَ فتاةٍ تخرجُ بتؤدةٍ في الصباحِ الى حديقةِ الغيمِ لتسقي أُصصَ الريحان.
منذُ أن عرفتُها ذاتَ طفولةٍ مليئةٍ بالأجراسِ وصوتِ الربابةِ وهي تكبُرُ معي وتقاسمُني زياراتِ الكرومِ وقطفِ خصلاتِ العنبِ المخصّفِ كالبلّور.
نركضُ في الحقولِ وأصرُخُ أينَ انتِ؟ فيجيبُ الصدى أينَ أنتَ؟ وأضحكُ وتضحكُ، وأشبكُ يدي في يدِها كي لا تضيعَ منّي.
في الطريقِ الضيّقِ المتعرّجِ المحفوفِ بالبيوتاتِ الطامنةِ ونباتاتِ الزينةِ المعربشةِ على الجدرانِ، اشتمُّ رائحةَ الخبزِ من "طابونٍ" قريبٍ يُصعدُ دخانَهُ المتسامي على مهلٍ كدعاءِ الجدّاتِ.
أتنفّسُ على مقرُبَةٍ من الطريقٍ رائحةَ البهارِ من نافذةِ امرأةٍ تستمعُ من المذياعِ إلى أغنيةِ حبٍ عتيقةٍ.
أنا أعرفُ القريةَ، وأقرأُ أبجديّاتها بالحواسِ الخمسِ أو العشرِ أو الألفِ. يكفي أن أشمّ الريحانَ فأعلمُ هويّةَ المكان. يكفي أن أسمعَ صهيلَ حصانٍ من بعيدٍ لأرى المشهدَ كاملاً بالأبعاد كلِّها. يكفي أن تمسّ فمي حرقةُ زعترٍ برّيٍّ لأدركَ أنني على مقربةٍ من الوادي الأزرقِ المعبأ بالسمكِ الصغيرِ. وحينَ ألمسُ الحجارةَ الصفراءَ العتيقةَ عتقَ كنائسِها أو أنظرُ في نقشٍ على بابِ البيتِ أو جدارهِ، أبتسمُ كعاشقٍ متسترٍ شاهدَ للتوّ حبيبَتهُ وكتمَ الوله لكي لا تتلوث قدماها الطيبتانِ بدخانِ الفضيحةِ.
الربابةُ تُصعدُ لحنَها البرّي إلى الأعالي، وصوتُ الشاعرِ المليءِ بالوجدِ والحنين يملأُ الوادي، وفي ليالي الفضّةِ القمريةِ، يحيطُ حداءُ الفلاحين بامرأةٍ ترقصُ بالسيفِ حافيةً إلا من خلخالها الذي يضيءُ الأرضَ وهي تدوّنُ بإيقاعاتِ قدميها وخلخالِها تاريخَ المكان.
أنني أعرفُ القريةَ من عطرِها ورنّةِ خلخالها وهي تتفتحُ على هدأةِ الزمنِ وتخرجُ مزّهوّةً بأنوثتِها إلى حدائقِ الغيم.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :