facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




"الشظايا والفسيفساء"


د. موسى برهومة
08-02-2010 05:01 AM

لم يكن الراحل مؤنس الرزاز يحتاج إلى أن يرتدي لبوس زرقاء اليمامة كي يجترح "الشظايا والفسيفساء" عنوانا لرواية أنجزها في العام 1994، أي قبل ثماني سنوات من رحيله العاصف في مثل هذا اليوم من العام 2002. كان يكفي مؤنس أن يحدق قليلا في الواقع العربي كي يعثر على خرائط الفسيفساء المترامية من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر. وما بين الماء والماء ثمة أكوام الشظايا وآبار الدماء والدموع.

سألت مؤنسا ذات حوار صحافي عن مصادر الفانتازيا التي يحفل بها أدبه وتفوح بعبقها رواياته كلها، فأجابني، فيما كان يبرم شاربه الكث الذي يغطي شفتيه: حدق قليلا في الحال العربي.. قليلا جدا، وسجل ما تراه بكل ما أوتيت من واقعية من دون أي تزويق أو تحريف، فسوف تكون بإزاء فانتازيا من طراز أدبي رفيع!

عاش مؤنس حياته، محدقا في عتمة النفق العربي، وارتمى من فرط تحديقه في أتون كآبة اعتزل الناس خلالها أو كاد، وكانت حدة ذلك الإحساس أشد وطأة مع حرب الخليج الثانية التي جعلته فريسة التمزق بين التضامن مع نظام قتل والده المفكر القومي منيف الرزاز، وبين البارجات الأميركية التي كانت توجه نيرانها إلى قلب إبي جعفر المنصور.

كان مؤنس الرزاز من أشد المثقفين العرب انسجاما مع نفسه وفكرته. وكانت حساسيته معينا لا ينضب يرفده بالتجليات الخلاقة التي جعلت منه واحدا من ألمع الروائيين العرب وأكثر حداثة وتجريبا. وكان يتوفر على مقدار من النزق جعل حجم الاحتجاج في داخله كبيرا ومتأججا، وهذا ما منحه مساحة حرية في الهرب من القيود المؤسسية والحزبية وسياسة "أبي الجماجم" التي عانى منها أثناء قيادته رابطة الكتاب. كان مؤنس يهرب بخفة، ويعتصم بالكتابة التي ظل ينزفها حتى لحظة مغادرته شرفة رابطة الكتاب إلى مستشفى لوزميلا بجبل اللويبدة، ليختتم مشواره مع الحياة وهو في قمة إبداعه وعطائه، ويأسه من إصلاح الواقع العربي.

وفي اعتصامه بحبل الكتابة، وبخاصة الصحافية، ابتكر مؤنس شخصية "كثير الغلبة" الذي جعله صديقه الأثير الذي يبث من خلاله همومه اليومية عبر زاويته التي انتقل بها من "الدستور" إلى "الرأي"، وأطل من خلالها على أزمنة "الشظايا والفسيفساء".

ولشدة نقائه، كانت زاويته الصحافية، التي لم تكن تتجاوز الثلاثمائة كلمة، تلتقط بوصلة الانهيار العربي في أكثر حالاته هياجا وبؤسا. وكان يحرص رغم العتمة الكثيفة أن يفسح، بمساعدة صديقه الملحاح "كثير الغلبة"، لبقعة ضوء أن تتسرب من بين الشقوق.

كان مؤنس الرزاز كاتبا صحافيا نادرا أفتقده بأسى شديد لفرط ما يعتري المشهد الإعلامي من قحط وتزييف. ولكم كنت فخورا، حين كلفني أستاذي د.خالد الكركي، وكان يومَها رئيس مجلس الإدارة في صحيفتي الأم "الرأي" بأن أكتب المقالة الأخيرة في الزاوية ذاتها التي كان يطل مؤنس من خلالها على قرائه.

وإمعانا في تأكيد محبتي وإعجابي بمؤنس، رحت مع زملاء صحافيين في "الرأي" نعمل كي نرد لو جزءا من الجميل الذي ضمخ به "أبو منيف" أرواحنا، فأصدرنا كتاب "هاملت عربي" الذي تضمن شهادات ودراسات عن مؤنس وأدبه، وقدمه الروائي الراحل عبدالرحمن منيف، وصدر عن "مكتبة الرأي" في الذكرى الأولى لرحيل "النمرود" الذي مد لسانه الصغير في مواجهة العالم الكبير.

عن الغد والمقالة لرئيس تحريرها الزميل موسى برهومة ..





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :