ليس الاردن بلداً غنياً بالموارد ، لكنه ليس فقيراً بها بكل تأكيد . ولا نريد له ان يحمل صفة الفقر لنبني عليها بعد ذلك استنتاجات غير صحيحه عن علم او عن غير علم .

لربما اعتمدنا معاييرنا الخاصه للفقر والغنى من واقع محيطنا العربي ولم نعد نرى في الغنى غير غنى النفط الذي ترفل به دول عربية شقيقه ، فجاءت المقارنه ليست في سياقها الصحيح .

في معظم احاديثنا وكتاباتنا ، وفي اوراقنا ودراساتنا نبدأ عادة بالاشارة الى ان الاردن بلد محدود الموارد . وفي ذلك ظلم لبلدنا ينم عن جهل بموارده . وكثر بيننا من آمن بفقرنا وبالغ في الحزن على حالنا ، وكثر بيننا ايضاً من استراح لمقولة الفقر هذه لسبب أو لآخر . وذهب البعض منا لتعليق نتائج ادائنا وخصوصاً في الجانب الاقتصادي على مشجب الفقر الذي صنعناه بانفسنا ثم صدقناه.

اين هو فقرنا في الموارد ؟ وابدأ بالمياه التي صنعنا فقرنا فيها بأيدينا . داخلياً تعثرنا في معظم مشاريعنا لجمع وتخزين مياهنا السطحيه بالتأخر في انجاز السدود ولا يزال هناك الكثير من السدود التي تنتظر الانجاز . ولم نجمع سوى ثلث ما يمكن جمعه في الحصاد المائي في السدود الترابيه والحفائر . وهدرنا ولا نزال نهدر مياهنا الجوفيه بضعف ادارتنا للابار المرخصه ، وتراخينا في منع حفر مئات الابار غير المرخصه ، حتى لم نعد نحمي خطوط المياه الرئيسيه من لصوص المياه .

مياهنا المشتركه مع دول الجوار قصة اخرى ، فقد تركنا سوريا عبر 40 عاماً لتسطوا على معظم حصتنا في مياه اليرموك لاننا لم نحسن المتابعه. حيث يصلنا اليوم لسد الوحده ما معدله سنوياً 40 مليون م3 من اصل 206م م3 التي بقيت لنا بعد ان تنازلنا عن 90م م3 كشرط سوري للموافقه على سد الوحده . ومع اسرائيل لم نعد نسمع منذ سنوات عما يصلنا سنوياً من اصل 115 مليون م3 على الاقل نصت عليها معاهدة السلام . وآخر فصول خساراتنا سد الكرامه الذي تبلغ سعته 55 مليون م3 وقد بنيناه فوق عيون مالحه جعلت مياهه غير صالحه للري لنخسر كامل ما يخزنه من مياه فوق خسارتنا لكلفة بنائه .

كما لم نكن يوماً فقراء بالثروة المعدنيه ، بل هو فقر الاداره الرسميه للفوسفات والبوتاس حيث بقينا حتى منتصف التسعينات نبيع الماده الخام بدل ان نحولها الى سماد يعود علينا بثلاثة اضعاف ما يعود علينا من الماده الخام . ثم داهمنا فساد ادارة الفوسفات وفشل شركة الزجاج في معان ، وشركة ملح الصافي وغيرها . وما زلنا لا ندري ما سوف يؤول اليه استثمار اليورانيوم ، واستثمار النحاس الذي صبرنا عقوداً لنبدأ استكشافه في ضانا منذ اربعة اعوام فقط .

والحديث عن ثروتنا السياحيه يمتد من مدن الديكابولس العشره التي تبدأ بام قيس وتمر بجرش وتنتهي بعمان ، والسياحه الدينيه على امتداد وادي الاردن ، والبحر الميت ، والعقبه ، والبتراء ، ووادي رم ، والمغطس الذي يعادل البتراء باهميته السياحيه.

وختام ثروتنا ابناؤنا في علمهم وفي اغترابهم وتحويلاتهم ، وجامعاتنا التي لم تستثمر عربياً كما يجب ، ونجاحنا الطبي وسياحته العلاجيه التي لم تتم ادارتها على نحو أفضل ، ومدينتنا الاعلاميه التي اختطفتها القاهره ودبي .

لقد صنع ابناؤنا في القطاع الخاص قصص نجاح في الصناعه والسياحه ، وابدعوا في الزراعه بمبادرات رياديه حال دون توسيعها غياب التفاتات وسياسات حكوميه مناسبه وفعاله تخضع للمتابعه والمراكمه. ولا يزال وادي الاردن كنزاً للميزه النسبيه يدعمه كنز آخر يتمثل بوجود اربع بيئات مناخيه زراعيه في الاردن جعلت كبريات شركات انتاج البذور في العالم تقيم لها مكاتب في الاردن لاجراء تجاربها في هذه البيئات الاربعه الممتده بين ( الاغوار، والمنطقه الشفاغوريه ، ومنطقة المرتفعات ، ومنطقة ما بعد المرتفعات وصولاً الى منطقة الباديه الاردنيه) .

وللبادية الاردنيه قصة اخرى مؤهلة لان تكون كنزاً آخر بمراعيها ومياهها الجوفيه وحصادها المائي وثروتها من الاغنام ان اجدنا تنميتها سريعاً قبل ان تتدهور تربتها ويتم استنزاف احواضها المائيه ونخسر مراعيها وتنوعها الحيوي ويهجرها اهلها الذين ترهقهم البطاله والأمية وبؤر الفقر .