facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




العرب… وواقعية المَلِكْ


سيف الدين محمد الكيلاني
16-07-2020 11:59 AM

*قراءات في كتاب "أسد الأردن" للمؤرخ آڤي شلايم..


يمكننا القول بأن الحكاية بدأت من الدولة العثمانية. امتدت إمبراطورية أبناء عثمان -في أوج قوتها- إلى ثلاث قارات: أوروبا، آسيا وأفريقيا. اتبع العثمانيون طرقًا متنوعة للحفاظ على تماسك دولة مثلها تضم مختلف الأعراق والإنتماءات والمذاهب. وبدأت الدولة العثمانية بالهرم آخر القرن التاسع عشر، وبدأت مرحلة جديدة في مطلع القرن العشرين. توسعت هيمنة حركة جون ترك JönTürk أو الأتراك الشباب ثقافيًا وفكريًا، الحركة التي تأثرت بالثورات الفكرية الأوروبية بعد الثورة الفرنسية بشكل كبير، وكانت ترى في النموذج الأوروبي نموذجًا فريدًا يجب تطبيقه على الدولة التركية الهرمة. وبدت سياسات التمييز العنصري واضحة، منها سياسات توطين وإعادة توطين القبائل التركية وغير التركية لتحقيق توازن لصالح العنصر التركي على غيره. واستولى على مقاليد الحكم حزب الإتحاد والترقي نتيجة للتغير الفكري التدريجي في السلطنة، وصاحبتها تمييزات عرقية واضحة في سياسات الدولة تجاه رعاياها.
دخلت الدولة العثمانية في الحرب الكبيرة؛ الحرب العالمية الأولى، إلى جانب ألمانيا. أغضب هذا الهاشميين، على حد تعبير «آڤي». لم تكن فكرة الدخول في حرب كهذه فكرة سديدة. كان حسين بن علي وقتها شريف مكة (1906)، وطالب بإعطاء العرب استقلالية على أراضيهم. لم يكن يجول في خاطره أي خطة لثورة عربية. يطلق المؤرخون الأتراك المعاصرون تسمية «العصيان العربي» İsyan على الثورة العربية التي تفجرت في عام 1921. في نظرهم، كانت الدولة العثمانية تحارب على ثلاث جبهات، منها جبهة داخلية في الجنوب، من ثائرين عرب. لم يكن بالحسبان أن يثور العرب، الذين يسكنون الأراضي القاحلة، وقبائل متناثرة، ويحدثوا أزمة. كان يتابع الحسين الأوضاع الداخلية، ويحاول البحث عن حليف بينما يفاوض اسطنبول لتحقيق مطالب الكتل العربية. يقول «آڤي» أن الهاشميين وقتها تعاملوا بمبدأ «عدو عدوي؛ صديقي.»
حارب العرب بقيادة الهاشميين، وعلى رأسهم الحسين بن علي بدعم من الإنجليز، وكانوا يصبون إلى اقامة دولتهم على أنقاض خلافة العثمانيين، تحت خلافة أخرى عربية. لم يكن للقومية حيزًا كبيرًا في ذهن الحسين، كما يذكّر «آڤي»، بل كان يرى دولة يكون العرب الهاشميون على رأسها، يحكمها دستور القرآن والرسول. اعتقد الهاشميون اعتقادًا قويًا بأحقيتهم بخلافة العرب المسلمين، ولكنهم لم يكونوا وحدهم في الجزيرة.
تحدث الكاتب عن ما عرف بمراسلات الحسين-ماكماهون بشكل دقيق، وتحدث عن الموقف العربي الضعيف أمام الدول التي تضبط ميزان القوى في العالم ذلك الوقت. وأشار إلى الغموض الذي تلبس المحادثات. يفترض «آڤي» أن ماكماهون، أحد أهم المسؤولين البريطانيين في المنطقة ما بعد الإستعمار، لم يعطِ وعدًا واضحًا للحسين، ولكنه حسب نظره أخلف وعده بإعلان "وعد بلفور". يقتبس الكاتب بعض نصوص "الوعد" المهمة التي تقول أن توطين العنصر اليهودي في أرض فلسطين يكون بشرط عدم المساس بالحياة السياسية والإقتصادية للسكان المحليين. ولكن ذلك لم يحصل. وبعد انتهاء الحرب، تقسمت المنطقة إلى مواقع نفوذ مطلق، ونفوذ غير مطلق عبر سلطات محلية، بين الفرنسيين والإنجليز. وسمُي الحسين ملكًا للحجاز، لا "ملكًا للعرب".
انتشر أولاد الحسين في العراق وسوريا و"عبر-الأردن"، كما كان يُطلق على شرق الضفة قبل تأسيس المملكة. يستند القوميون في شتى بقاع العالم على الماضي، أما الماضي للعرب فكان بالضرورة الإسلام: هكذا فسر الكاتب نظرة الحسين بن علي لمملكته. ولكن وعد بلفور، وتقسيم سايكس-پيكو، كانا نقطة التحول، أو حتى الإنطلاق، في مسيرة القوميوين العرب. لم ينجح الهاشميون في سوريا والعراق كما نجح عبدالله في الأردن. كان طموحًا جدًا، وكان أيضًا، ملك الـ"واقعية". أراد عبدالله ألا يكرر فشل أبيه، بعد اجلائه على متن سفينة بريطانية إلى جزيرة قبرص، هربًا من قوات "ابن سعود" في الجزيرة، كما يعرفه الغرب. تلقى عبدالله صدمةً كبيرة، غيرت شكل فكره السياسي، بعد أن هاجمه جيش يتبع للدولة السعودية الناشئة المجاورة، وخسر عددًا من رجاله وهم يدافعون عنه. حاول عبدالله أن يفهم معادلة القوى في المنطقة كطريقة لتحقيق أهدافه السياسية، وكانت الحركة الصهيونية وقتها من أبرز الأطراف إقتصاديًا وسياسيًا. استطاع عبدالله، الأمير الجديد أن يقدم نجاحات دبلوماسية كبيرة، منها الشد عكس التيار المتشدد في الحركة الصهيونية التي تسعى إلى ضم مناطق من شرق الأردن ايضًا،، فنجح بإبعاد الأردن عن صفقة بلفور. كانت الضفة الشرقية أرضًا مغبرة قاحلة، يكثر فيها قطع الطرق، والقبائل فيها في صدام ونزاع مستمر. فتمكن عبدالله من فرض النظام وبناء نواة قوة أمنية تضبط النظام وتجمع الضرائب. لم يشجع عبدالله وعد بلفور هو الآخر، ولكنه استخدم المفاوضات لحل المشكلة. عرض على الحركة الصهيونية أن يتمتعوا باستقلاليتهم تحت جناح الهاشميين، وتوحيد الضفتين تحت عرش واحد، عرش الهاشميين. لم يرفض الحسين وعد بلفور بسبب معاداة عمياء "للسامية"، بل لأنه لا يحفظ حقوق العرب المدنية والدينية، ويغض الطرف عن حقوقهم الإقتصادية والسياسية في فلسطين، يوضح «آڤي».
يشير الكاتب هنا إلى أن عبدالله قد سار على نهج والده وأجداده من الهاشميين بعدم تبني مقاربات عنصرية لليهود، «أهل الكتاب.» ولكنه من ناحية أخرى رأى أن كسب العنصر اليهودي إلى جانبه حتى وإن كان ذلك على حساب إعطائهم استقلالية محدودة تحت العرش الهاشمي، سيضمن له دعم وثقة المجتمع الدولي كله، على عكس ما قد يفعل عداؤه لهم. كان يريد أن يمضي بمشروع وحدة الأراضي العربية بتشكيل سوريا الكبرى، بعد فلسطين. وتوقع من البريطان اظهار ردة فعل أقل شدة من مشروع التوسع العربي. أعجب المفاوضون الصهاينة بپراغماتية عبدالله، جارهم في الشرق. أقترح الأمير مخطط مملكة ساميّة تجمع المسلمين واليهود مرارًا وبأساليب مختلفة. ولكن كان لديه نظرة مختلفة عن مسألة الهجرة، وكان يهدف إلى ألا يزيد عدد اليهود المهاجرين عن العرب وعلى إبقاء الغلبة للعرب هناك. ولكن كان رد الصهيونيين الرفض: يحلل «آڤي» أسباب هذا الرفض ويقول أنه مخالف للهدف الرئيسي الذي وجدت عليه الحركة الصهيونية؛ انشاء دولة (مستقلة) لليهود. وفي حين رفض الجناح العمّالي Labour في الحركة الصهيونية أن يخضعوا له، أرادوا الحفاظ على علاقات جيدة تربطهم به. ومن الجانب الآخر رفض «الصهاينة التنقيحيون» (أو التصحيحيون) فكرة الخضوع لحاكم عربي بالكامل، واعتبروا دولة اسرائيل الدولة الواحدة المستقلة التي تشمل الضفة الغربية بكاملها أيضًا، ولم يتوقف طموحهم التوسعي عن النمو. كان العماليون هم المسيطرون سياسيًا في مجتمعات «الييشوڤ»، أو المجتمعات اليهودية في أرض فلسطين قبل استقلال الدولة. ثم قررت بريطانيا التخلي عن سيطرتها على فلسطين، وقدمت الأمم المتحدة قرارًا يقضي بتقسيمها إلى دولة يهودية، ودولة عربية. حقق هذا اللاعلان مطالب الصهاينة، ولو مبدئيًا، بإنشاء دولة والحصول على الاستقلال، ولكنه العرب ثاروا عليه وقرروا تصويبه عن طريق الحرب.
يوضح الكاتب نقطة مهمة في الحرب العربية-الإسرائلية الأاولى، وأنها بالأصل تكون من مرحلتين؛ مرحلة المقاومة الداخلية، ومرحلة المقاومة «الخارجية» إن صح التعبير. بدأت حرب العرب مع الصهاينة من الداخل، بقيادة من أسماهم بـ"القوميين" nationalists، وسرعان ما خسروا الحرب وبدأت حملات التهجير. أما الحرب الأخرى فتتضمن تدخل الجيوش النظامية لسبع دول عربية في الحرب لتدارك الوضع. أراد الملك حل المشكلة بسلام بينه وبين الوكالة اليهودية، والحفاظ على السيادة العربية على ما تبقى من أرض فلسطين. أما في الجانب الآخر أراد المفتي أمين الحسيني إقامة دولة فلسطينية عربية على كامل فلسطين. كانت المسألة بعد قرار الأمم المتحدة عام 1947 مسألة كسب أراضٍ محضة، أو Land-grab كما وصفها، وبرأيه، فقد نجح عبدالله بإنقاذ ما بقي من أراضٍ خسرتها العرب. تلاشى حلم عبدالله في تقاسم سلمي، وتبع ذلك ضغط شديد على حكومته كما على حكومات عربية أخرى، بالتدخل المباشر بالمسألة الفلسطينية، بعد حركات اللجوء الكبيرة للفلسطينيين لدول الجوار. وبسبب الإتفاقية التي كانت تربط عبدالله والوكالة اليهودية، كانت المسألة الفلسطينية تهم الهاشميين بشكل رئيسي؛ فقد اتفقوا أن تبقى ارقعة كبيرة من الضفة الغربية تابعة لسيادة عربية هاشمية- وتهم «الجيش العربي». فإمارة عبر الأردن هي الآن المدافع الأول عن العرب الفلسطينيين.
مارست الدول العربية ضغوطات على الإدارة الأردنية، وتوجهت نحو قرار استعمال الجيوش النظامية لإجتياح فلسطين، وتقويض سطوة الهاشميين في المنطقة، بل وتم تسليم قيادة العمليات المشتركة العربية لعبدالله بن الحسين. وفي مهمة سرية قامت بها «غولدا مائير» حسبما يذكر الكتاب، فقد أخطر الإسرائيليون الملك بعدم مخالفة شروط الإتفاق، وأنه "لو أراد الملك الحرب، فسيتلاقى الطرفان بعدها". رفضت المهمة الإسرائيلية طلب الملك باستقلالية جزئية للعنصر اليهودي تحت العرش الملكي مجددًا. لم يرد الملك الحرب، ولكنه فسر مجريات الأمور بأن ظروف القضية قد اختلفت، وأن هناك قوى أخرى في المنطقة. وبعد وقف الإشتباكات بين الأردن وإسرائيل عام 1949، تمكن الملك من انتزاع أاراضٍ في مدينة القدس، المدينة التي كانت تحت رعاية دولية حسب قرار التقسيم. رفض العرب قرار التقسيم فورًا، ولكنهم سارعوا في قبوله والإستناد إليه عندما تعلق الأمر بمدينة القدس. دخل العرب بعدها في نزاع داخلي كبير، الأمر الذي أاضعف مواقفهم الدبلوماسية في المفاوضات التي تلت الحرب. وعلى الرغم من المكاسب التي حققها على الأرض، إلا أن الملك قد قُدِّر له أن يمضي بقية حياته في صراع شديد مع رفاقه العرب.

آڤي شلايم، أسد الأردن، الفصل الأول.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :