facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




أتعلَّمُ الفُصْحى


د. يوسف عبدالله الجوارنة
18-08-2020 06:12 PM

اتَّخذ لنفسه مِن أركانِ البيتِ الفسيح ركنًا خاصًّا، يُمارسُ فيه بعضَ هواياته الرّياضيَّة والفنيَّة؛ فالفتى المُشاغبُ الكثيرُ الحركةِ، الذي لم يَبْلغِ الحُلُم بعدُ، مُغْرمٌ بـفريق (الرِّيَال) (R. Madrid)، ويَسوؤُه أنْ يُطيحَ به (البَرْشا) (Barcelona) في مبارياتِ الحَسْم، ومنها (كلاسيكو)، وقد تَذرفُ عيناه –حزنًا أو فَرَحًا- من حيثُ لا يدْري.

وهو يَحفظُ أسماءَ كثيرٍ منَ اللاعبين أكثرَ مِن حِفْظه لِداتِه في فَصْله، ويَعْلمُ طولَ كلّ لاعبٍ منهم، وتَقْييمَه، وجنسيَّته، ومَوْقعَه في المَلْعب، وميزاتِه التي يتميَّز بها من حيثُ (السُّرعة، وقوَّة الضَّرْبة، والمُراوغَة، والتَّمْرير، والتَّمَرْكُز، وَرُدود الأفعال). ثُمَّ يَنْتقدُ، لخبرته في المُباريات، خططَ المدرّبينَ، وطالما وَصف بعضَهم بأوصافٍ لا يَحْسنُ ذِكْرها. ويَحرصُ الفتى الحَييُّ الوَديعُ على مُمارسةِ التّعليقِ على مقاطعَ لمبارياتٍ تَفاعَلَ معها، وكان يُسْمعُ والدَه نَمَاذجَ لمُعلّقينَ متألقينَ، منهم "فارس عوض" الإماراتيّ، و"رؤوف خليف"، و"عصام الشّوالي" التُّونسيّان، و"حَفيظ درّاجي" الجزائريّ، في مَدْرسةِ التَّعليق الرّياضي المَغْربيَّة، ومنها لقطاتٌ يُعيدون فيها للّغةِ الفصيحةِ ألقَها في ثنائيّاتٍ مَسْجوعةٍ، مَصْحوبة بنغماتٍ صوتيَّةٍ تَتَماوَجُ، كأنّها أمواجُ بَحْرٍ تُحرِّكُها الرّياح، فتسمعُك موسيقى عَذْبةً تلامسُ القلوبَ الظّمأى في زَحْمةِ الحَيَاة وتَفاصيلِها.

ويَهيمُ الفتى بِالمُسلسلاتِ العربيَّة التي تشتملُ في أحداثِها على (Action)، من صراعاتٍ ومعاركَ وحروبٍ؛ فلم يَفته فيلمُ "عُمَرَ المُخْتارِ" بَطلِ المُجاهدين في ليبية، في الثّلث الأوَّل من القرن العشرين، ولا "الرِّسالةُ" أوَّلُ فيلمٍ بديعٍ اخْتصرَ أحداثَ السّيرةِ النَّبويَّةِ في ثلاثِ ساعات باللغةِ الفصيحة. وحَرَصَ على كلّ حركةٍ وسَكَنةٍ في مُسلسلِ "عُمَر" رضي الله عنه، المُسَلسلِ الذي طارَ ذِكْرُه، وحُوصرَ في بعضِ البلادِ فَنُّه، وانتقدَ فيه مشاهدَ غيرَ موفَّقةٍ لبعض المُمثِّلينَ، وصَفَّق لكثيرين أَبْدعوا، واطَّلع بسببه على مَوسوعة الدّكتور عبد الرَّحمن رأفت الباشا (1920 -1986م) "صُور مِن حَياة الصَّحابة"، يقرأُ فيها صُورًا من حياتِهم التي كان لها أثرٌ كبيرٌ في حركةِ المُسَلسل وأحداثِه المَعْروضةِ بلغةٍ فصيحةٍ، والمُوثَّقةِ في مَصَادرِها المَوْثوقة.

ومن المسلسلات التي طارتْ شُهْرتُها، وتُلامسُ أوجاعَ العربِ والمُسْلمين، مُسلسلاتُ الدّراما التُّركيَّةِ البديعةِ في "قيامة أرطغرل"، و"السُّلطان عبد الحميد"، و"كوت العمارة"، و"قيامة عثمان"، كلُّها حَضَرَها باللغة التّركيَّة مُترجَمةً، حتَّى يَحفظَ بَصْمةَ صوتِ الممثّل وكـأنَّه الشَّخصيَّة نفسُها. ومنها مسلسلات الدّراما السّورية التي عَالَجَت وتُعالجُ فترةَ نهايةِ الحُكْمِ التُّركيِّ –بعد الإطاحةِ بِسُلطانِ المُسْلمينَ- في بلادِ الشّام، وما صَاحَبَها مِن تَشْريدٍ وتقتيلٍ وتَتْريك. ومنها الدّراما التي عالجت فترةَ الانتدابِ الفرنسيِّ الغاشمِ في سوريَّة في الفترة (1918- 1946م)، وغيرها كثير...الخ.

ويتابعُ الفتى حركيَّةَ اللغةِ الفصيحةِ في فضاءاتِ (Spacetoon)، القناةِ البِكْرِ مِن بين القنواتِ المُوجَّهةِ للأطفال، بَدَأت أعمالَها باللغةِ الفصيحة، وما زالت على كثرة المُنافِسَات لها، تُحافظُ على طريقتها المُثلى في الرّيادة والتّفوّق. وقد كانَ يَحْفظُ مُقدّماتِ الرُّسُومِ المُتحرّكة المُغنّاة، وبِصَوتِ المُغنّية السُّوريَّة المَوْهوبة "رشا رزق" على وَجْه الخُصوص، في أفلام "أنا وأخي"، و"المُحقّق كونان"، و"القنّاص"، و"الكابتن ماجد"، وغيرها.

قيَّدتُ هذه المُقدّمةَ بين يدي المَشْهد التالي، حتّى يَعْرفَ الفتى بِهَا عن نفسه ما كان غائبًا عنه، ولأنَّ هذه الأعمالَ الفنيَّة والرّياضيَّة، أَنْبتتِ المَخْبوءَ في شخصيَّتِهِ فَظَهر، وغدا على صِغَر سِنّه قادرًا على المُشاهدةِ والمُؤانسة، والمُداخلةِ والمُحاورة، والمُعارضةِ والمُوافقة، كلُّ ذلك في تأدُّبٍ واتّزان، يُنْبئُك ذلك إذا رأيتَه في فنِّ "الدَّبْكة" (رَقْصة فلكلوريَّة شعبيَّة)، يقودُ سِرْبًا مِن الشّبابِ قَدَّموه، يُوجِّهُهم بحركاتٍ رائقةٍ بديعةٍ.

أمَّا المَشْهدُ، فقد سَمعَه أبوه يومًا في رُكنه، ونَظرَ إليه مِن بُعْد، -وكانَ –أظنُّه- حفظَ أحداثَ "فيلم الرّسالة" في السّيرة عن ظَهْر قلبٍ- يُجْري بنفسِه حوارًا بينَ شخصيَّتين متغايرتين: أَسَدِ اللهِ حَمْزةَ وعَدُوِّ الله أبي جهلٍ حِذاءَ الكعبة، إذْ هالَ حمزةَ مَنظرُ القِلَّةِ المُسْلمةِ، قد ذاقتْ وَيْلاتِ التَّعذيبِ مِن طُغمةِ قريشٍ وسفهائهم وصبيانهم، فقال:

- على لسانِ حمزةَ (بنبرةٍ عاليةٍ فيها إرْعابٌ وتَخْويف): باسلٌ ومِغْوارٌ أنتَ يا أبا جهل، كيف لا، وأنتَ تقاتلُ رجالًا بلا سلاح؟!

- ردَّ بلسانِ أبي جهلٍ (بنبرةٍ مُغايرةٍ للأولى وفيها ارتجافٌ وخَوْف): ﻷنَّهم يُظاهرونَ هذا السَّفيه.

- بلسان حمزة: ومَنْ أسفهُ منكم وأنتمْ تَحْرمونَه حَقَّ الكلام؟

- بلسان الثاني: مُحمَّد مُفترئٌ كَذَّاب.

(هنا، يَقْطعُ الفتى المَشْهدَ بالاستغفارِ والتَّوبةِ، لأنَّه أَجْرى كلمةَ أبي جهلٍ على لسانِه. وهذا سلوكٌ منه جميلٌ، وخُلُقٌ حَريٌّ أنْ يُوجَّهَ ويُقرَّر، إعلاءً للقدواتِ في حياةِ البَشَر، وكيف إذا كانت القدوةُ نبيًّا رسولًا؟)

(ثمَّ يَصْفعُ الفتى وَجْهَه صَفْعةً سُمِعَ صَداها في الكَعْبة، يُمثلُ بِهَا ضَرْبَ حَمْزةَ وَجْهَ أبي جهلٍ انتصارًا لنبوَّةِ مُحمَّدٍ عليه السَّلام)، وقال:

- بلسان حمزة: رُدَّها عليَّ إنِ استطعت؟

(ثمَّ يُوجّهُ كلامَ الأسدِ حمزةَ لصعاليكِ أبي جَهْلِ، الذين ما إنْ صَعَقَهم بصوتِه وَلَّوْا مُدْبري مُوَلولين)، وقال لهم:

- بلسان حمزة: وأنتم، أَلَا يُواجِهُني منكم أحد؟ أنا على دِينِ مُحمَّدٍ؛ أقولُ ما يَقولُ، فَلْيردَّ عليَّ ذلك مَنْ يَسْتطيع؟

(يَصْمتُ الفتى هُنيهةً، ويَتَّجهُ بِصوتٍ خَفيضٍ يُخاطبُ رسولَ الله مُحمَّدًا عليه السَّلام)، فقال:
- بلسانِ حَمْزةَ: يا مُحمَّدُ، يا ابنَ أخي، عندما أجوبُ الصَّحْراءَ في الليل، أُدركُ أنَّ اللهَ أَعظمُ مِن أنْ يُوضعَ بينَ أربعةِ جُدْران. (انتهى المشهد)

- هنا، ظَهَرَ الوالدُ قُبالةَ الفتى، وقال: ما صَنَعْتَ يا وَلَدي؟

- فأجابَه مالكٌ على استحياء: أتعلَّمُ اللغةَ الفُصْحى يا أبي.

قلتُ: هذا جانبٌ مِن جَوانبِ تَعلُّمِ اللغةِ الفصيحةِ بوساطةِ الدّراما العربيَّة الدينيَّة والتاريخيَّة المُقدَّمةِ بلغةٍ فصيحةٍ، لأنَّ أحداثَها حاكتْ وتُحاكي زَمَن اللغة المُشرقَ، المُمتدَّ ثمانيةَ قرونٍ قبل انحسارِ مَدِّ العربِ والمُسلمين الحضاريّ في المَشْرق والأندلس، منها –تمثيلًا لا حصرًا- مسلسلُ "الطَّارق" في سيرة القائد المسلم طارق بن زياد (ت102هـ)، و"قمر بني هاشم" في السّيرة النبويَّة، و"أبو حنيفة النُّعمان" (ت150هـ)، في سيرته الذاتيَّة والفقهيَّة، و"عصر الأئمَّة" في سيرة الفقهاء الثلاثة بعد أبي حنيفة، و"عمر بن عبد العزيز: خامس الخُلفاء الرَّاشدين" (ت101هـ)، في سيرته وفضاءاته الرّحبة في السِّياسَة والعَدالة والحُكْم، و"رايات الحقّ" في تاريخِ الفتوحاتِ الإسلاميَّة زمنَ الخُلفاءِ الرّاشدين، وغيرُها كثيرٌ كثير.

ما أجملَ أنْ ينشأَ فتياننا على صورةِ اللغةِ الفصيحةِ والتَّحدُّثِ بها! والأجملُ أنْ نُمارسَها -نحن الكبارَ- كتابةً إنْ عَجَزْنا عَن مُمارستِها تَحدُّثًا. والكتابةُ بالفصيحةِ مَهارةٌ تَكادُ تغيبُ اليوم في كتاباتِ (الفيسبوكيين) و(المُوَتْسبين) و(المُغرِّدين).





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :