العجارمة: الدستور الأردني يجرم الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة
14-10-2020 11:30 AM
عمون - نشر مواطنون عبر وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرا بعض المعلومات عن بعض أعضاء الحكومة الجديدة، وقبلها قاموا بنشر بعض المعلومات المتعلقة بالشخصيات العامة، الأمر الذي دفع الكثيرين إلى التساؤل هل هذا يندرج تحت حق التعبير عن الرأي أو حق الحصول على المعلومة، أم أن هذا الأمر يعتبر تعد على خصوصية الآخرين؟
الوزير الاسبق ورئيس ديوان التشريع والرأي السابق نوفان العجارمة عبر عن وجهة نظرقانونية قائلا: يأبى الإنسان بطبيعته الاجتماعية الحيّة أن يتدخل أحد في شأن من شؤونه الخاصة، ولكل فرد منا حياته الخاصة التي لا يمكن أن تكون مكشوفة دون محرمات، فالإنسان يعيش مع ذاته أحياناً ويعيش مع أسرته أحياناً أخرى في هدوء وسكينة، ويتوجب على الآخرين احترام هذه الخصوصية، وهذا ما يعبر عنه بالحياة الخاصة للإنسان والتي تشمل أيضاً الحق في السرية المهنية، وسرية المراسلات والمحادثات، حرمة المساكن وحرية الاعتقاد والفكر، والمسألة العاطفية والعائلية، والروحية والمالية ..الخ.
وأضاف العجارمة أن هذه من المظاهر الاجتماعية الضرورية لكل إنسان، وجزء لا يتجزأ من الوجود الإنساني يجب حمايته بكل قوة من التعسف والاعتداء أياً كان الشخص المعتدي وبغض النظر عن المعتدى عليه أو الوسيلة المستعملة في الاعتداء.
وبين أنه مع التطورات العلمية المذهلة والمتسارعة، أصبح الإنسان عارياً ومكشوفاً، وبات بالإمكان وفي أي وقت تتبع حياة الفرد بكل تفاصيلها، مما دفع العديد من المفكرين وعلماء القانون إلى البحث جدياً عن السبل الكفيلة لحماية الحياة الخاصة للإنسان.
وتعد محاولة إيجاد تعريف للحياة الخاصة أمر بالغ الصعوبة حيث يترتب على وضع هذا التعريف قيد شديد على حرية الإعلام في نشر ما يعد من الحياة الخاصة، فضلا عن أنها فكرة مرنة وغير محددة، فالتعريف لا يكون إلا لشيء أو لفكرة ثابتة ومحددة أما الحياة الخاصة فهي فكرة مرنة ومتغيرة نسبية وتختلف باختلاف الزمان والمكان والأشخاص، فما يعد من الحياة الخاصة للفرد في الأردن قد لا يكون كذلك في الدولة الأوروبية مثلا، وما يعد من الحياة الخاصة في زمن مضى قد لا يكون كذلك الآن او في المستقبل القريب، كما ان الحياة الخاصة للمشاهير تختلف عنها بالنسبة للأشخاص العاديين، وتختلف أيضا باختلاف القيم والعادات والتقاليد السائدة في كل المجتمع.
فالخصوصية هي حق كل إنسان في التعامل مع حياته الخاصة بما يراه، وفي الاحتفاظ بأسراره التي يجب ان لا يطلع عليها الآخرون.
وأكد العجارمة أن حماية الحياة الخاصة وردت في صلب مواد الدستور الأردني وهذا يعد ضمانة دستورية مهمة للمواطنين، ويعطي قدسية للحياة الخاصة وسياج لها من أن ينال منها أو يمسها تشريع أو قانون، وذلك عملاً بمبدأ سمو الدساتير وما يترتب عليه من عدم جواز تقييد هذه الحياة الخاصة أو المساس بها بأية وسيلة وإلا كانت غير دستورية.
فالمشرع الدستوري الأردني جرم الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة في صلب الدستور حيث نص على ذلك في المادة (7) منه، وقد قرر المشرع في النص المشار إليه تجريم الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة للأفراد، وقد جاء النص عاما مطلقاً دون تحديد أو تخصيص وذلك ليشمل كل اعتداء سواء وقع من الأفراد أو من الإعلام أو السلطة على حد سواء.
ويعد هذا النص بمثابة سياج واق ضد الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة ليس له مثيل في الدساتير السابقة. ويؤكد هذا النص حرص المشرع الدستوري على صيانة كرامة الفرد و آدميته.
وقل إن الازمة في حرمة الحياة الخاصة لا تكمن في حمايتها دستوريا او قانونيا، وإنما في حمايتها الفعلية من تجاوزات وسائل الإعلام من نشر دقائقها وتفاصيلها، لذلك يتوجب على وسائل الأعلام ان تحترم هذا الحق وتحرص عليه، كحرصها على حق التعبير وحق الحصول على المعلومة، ولا يجوز ان تضحي الصحافة وسائل الاعلام بهذا الحق او تنتقص منه تحت أي ذريعة من الذرائع، فحرية الإعلام ليست مطلقة، وإنما يحدها أمران مرتبطان هما: أمن المجتمع وسلامته وحرية الأفراد وحقوقهم وأعراضهم.
وتابع، "إن خوض وسائل الإعلام في الحياة الخاصة للأفراد ونشر تفاصيلها لا تهم الرأي العام في شيء ولا فائدة أو جدوى من نشرها سوى المساس بحقوق الناس، وكشف عوراتهم، وانتهاك خصوصيتهم، وإيذاء مشاعرهم، الأمر الذي تعين معه على وسائل الإعلام عدم الخوض في هذه التفاصيل دون ضرورة اجتماعية او سياسية او اقتصادية تستوجب ذلك".