عمون - افتتح مجمع اللغة العربية الأردني الخميس العاشر من كانون الأوّل موسمه الثقافي الثامن والثلاثين، بالتعاون مع مبادرة (ض) إحدى مبادرات مؤسسة ولي العهد، عن بعد عبر تقنية الاتصال المرئيّ.

واشتملت فعاليات اليوم الأول للموسم على جلستين في ذكرى الراحِل الكبير العلَّامة الأستاذ الدكتور عبدالكريم خليفة رئيس المجمع السابق.

وألقى رئيس المجمع الأستاذ الدكتور خالد الكركي، كلمة رحب فيها بالمشاركين والحضور، وقال: "في وطنٍ كان فيه الراحِل من أوائل أهله علماً وخلقاً وغيرة على أحوال الأمة وعلى أعلام الوطن العالية منذ أن أعلنت السلطُ العزيزةُ لحظة تأسيس مدرستها لنهضة الوطن العلمية، ويوم بدأتَ أنت من الجامعة الأردنية رحلةَ الدفاع عن العربية الشريفة، وتابعتَ الرحلة من مجمع اللغة العربية الأردني رئيساً متميزاً بالحزمِ والتزامِ الرسالة العظيمة للأمة… أبا وائل، أقرأُ الآن بين يديك صورةً أندلسية تعيدني إلى مثولي وزملاء أعزاء بين يديك في دروسك عن الأندلس في رحلة الدراسة الجامعية الأولى والثانية.. أبا وائل، يقولُ شاعرٌ عربيّ: فلنقل: نحن هنا أندلسيّون!

فلا نطلب في الأرض سوى ما يطلب الحُجّاج

أبناءُ السّبيل

ولنا من لغة الله كلام

نتهجّاه على تجعيدة الصّخر

ونقرأه هديلاً بهديل

ولنقلْ إنّك شيخ الوقت، فانهض أيّها الشّيخ الجليل، آن أنْ يستأنف الأندلسيّون الرّحيل.. شيخِيَ الكبير، ما زلتُ هنا أمسح الغبارَ -لو علِقَ- باللّوحة الرّاسخة في مكتبك في مجمع اللّغة العربيّة الأردنيّ، لوحة القدس، وقد رأيتُكم ترحلون من حواليَّ إلى رحاب الله.. الشيخ إبراهيم زيد الكيلاني، والأستاذ ناصر الدّين الأسد، والأستاذ محمود إبراهيم، وشيخي المعلّم عبدالكريم غرايبة، والأستاذ عبداللّطيف عربيّات، والأستاذ إسحق الفرحان، والأستاذ محمود السّمرة، والأستاذ محمد حمدان، والأستاذ إسماعيل عمايرة..

سيّدي العزيز، مِن حقّي أن أراك مع الرّاحلين بين المجاهدين في هذا الزّمان الذي تُدَمَّر فيه ثوابت الأمّة من خلال تدمير لغتها الشّريفة لصالح الأمّيّة والعامّيّة والرّأسماليّة المتوحّشة والجامدين والجاحدين من أبنائنا! فيا أيّها المجاهدون الرّاحلون، أقرأ لكم "وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا".

يا أبا وائل، نشكو حال الأمّة إلى الله العليّ القدير الذي نزّل القرآن الكريم بلسانها العربيّ المبين، لقد كرّمها فكيف هانتْ حالها على نفوس أبنائها وعلى النّاس!

ها نحن على مشارف غرناطة وقبلها قرطبة وأسوار بغداد أمام المغول الأوائل والمغول الجدد، والأمّةُ تخبّئ ذهبها ونفطها ولا تدافع عن القدس وفلسطين! الله! كم مِن زفرة ستكون على سفوح جبال الأمّة يوم يهاجر أبو عبدالله الصّغير من دول الطّوائف إلى مغرب بعيدٍ بعيد!

كأنّ صوتَك يملأ الوجدان والفضاء مِن حولنا محذِّراً ومنذِراً وثائراً، كأنّه وردُ الحماسة والشّهادة فينا، أو كأنّك تستعيد كبرياء زمن بني العبّاس ومدرستهم العقليّة العظيمة.

أعود إلى هذا الوطن الذي ضمّكَ ثراه، بل أعود معك قبل ذلك مِن بغداد- دار المعلّمين العالية، إلى الطّفيلة التي عرفتْكَ معلّماً، ومنها إلى حلب؛ كنتَ تطلُّ من السّلط على فلسطين، ومن الطّفيلة على حضارة أَدُوم، ومن حلب على قلعة سيف الدّولة وزمان المتنبّي العظيم…
وتبدأُ في عمّان التّربيةَ والتّعليم، وعمّان الجامعة أستاذاً ورئيساً، ثمّ في المجمع العزيز مِن أجل اللّغة الشّريفة، ويستمرّ العطاء… وقبل هذا وذاك تتفرّغ للتّربية وأصولها في بدايات الرّحلة وفصول أخرى في التّعريب واللّغة والمعاجم..".

وفي الجلسة الأولى، التي ترأّسها الأستاذ الدكتور أحمد شيخ السّروجيّة، تناول الأستاذ الدكتور يوسف بكّار في بحثه المعنون بـ"عبدالكريم خليفة عاشق العربيّة وموروثها" محطّاتٍ مِن سيرة المرحوم خليفة ابن العربيّة البارّ في خدمتها وتحقيق موروثها إلى بلوغ آفاق واسعة لإيمانه بها وعشقه لها وأصالة وجودها، واستعرضَ أعماله الرّافدة للعربيّة، وخدماتِه الجليلة للنّهوض بها، ووقوفَه عند ما يعترضها من مشكلات راهنة مقترحاً حلولاً مناسبة للتّغلّب عليها.

أمّا البحث الثّاني الذي قدّمه الأستاذ الدكتور سمير الدروبي، المعنون بـ"الأستاذ الدكتور عبدالكريم خليفة محقّقاً"، فاستعرض فيه جهود الرّاحل في تحقيقِ نصوص التّراث العربيّ الأدبيّ واللّغويّ أبرزِ اهتماماته، وربّما كان أوّل مَن حقّق نصّاً أو نصوصاً تراثيّة في الأردنّ، وأشرف على عدد من طلّابه في الجامعة الأردنيّة في موضوعات تحقيق التّراث، ومن أهمّ إصداراته رسائل أبي العلاء المعرّيّ في ثلاثة أجزاء.

وتناول البحث الثّالث المعنون بـ"الدكتور عبدالكريم خليفة ومجمع اللّغة العربيّة الأردنيّ سيرة ومسيرة" للدكتورة فاطمة العليمات من الجامعة الأردنيّة، جانبًا من حياة الدكتور عبدالكريم خليفة -رحمه الله– ومسيرته المجمعيّة إبّان رئاسته المجمع، وأبرز إنجازات المجمع في تلك الحقبة الزّمنيّة التي امتدّت قرابة أربعة عقود. وبيّن البحث أنّ المجمع قد شارك أشقّاءه مجامع اللّغة العربيّة الأخرى في كافّة ميادين اللّغة العربيّة وقضاياها الرّامية إلى النّهوض بها ونشرها والحفاظ عليها، وأنّه كان له حضورٌ مميّزٌ وفاعلٌ في إحياء التّراث العربيّ والإسلاميّ في العلوم والفنون والآداب، وتعريب المصطلحات العلميّة ونشرها، كما أنّه قد تفرّد في التّعبير باللّغة العربيّة عن الفكر العلميّ الحديث، والسّعي لأن تكون العربيّة لغة التّعليم الجامعيّ، بحثاً وتدريساً، وأنّ له السّبقَ في تأليف معجم ألفاظ الحياة العامّة في الأردنّ بوصفه جزءاً من مشروع المعجم العربيّ الموحّد لألفاظ الحياة العامّة في الوطن العربيّ. وإنّ مسيرة المجمع الحافلة بالعطاء والإنجاز مستمرّة بإذن الله بجهود القائمين عليه.

وفي الجلسة الثانية، التي ترأّسها الأستاذ الدكتور محمد حوّر، بدأ الأستاذ الدكتور عبدالكريم الحياري ببحثه المعنون بـ"الدكتور عبدالكريم خليفة معلّماً وتربويّاً"، الذي تحدّث فيه عن كتاب "التّربية وأصول التّدريس" للدكتور خليفة، وشخصيّته وزهده في الحديث عن نفسه وإنجازاته، واصفاً إيّاه بصاحب شخصيّة غنيّة متعدّدة الأبعاد لا تفصح عن نفسها بسهولة، واستعرض نشاطاته ذات الطابع التّربويّ والمؤتمرات والنّدوات المتعلقة باللّغة العربية وتعليمها.

وقدّمَ البحثَ الخامس الأستاذُ الدكتور هُمَام غصيب بعنوان "عبدالكريم خليفة الرّئيس المؤسِّس للمجمع صمود أسطوريّ"، استذكر فيه الصّمود البطوليّ الأسطوريّ للدكتور عبدالكريم خليفة طوال حملة التّعريب، وقبلها وبعدَها. وقال: "قد علّمتَنا، وستظلّ تُعلّمنا، الكثير. وإرثك حيّ فينا لا يَذوي ولا يَخبو". وتضمّن بحثُه ثلاثة محاور رئيسيّة: كيف عرفْتُ عبدالكريم خليفة؟، وحمْلة تعريبِ التّعليمِ الجامعيّ، وماذا بعد؟.

وسيواصل المجمع فعاليّاتِ موسمه الثّقافيّ الخميسَ المقبل السّابع عشر من كانون الأوّل الحاليّ في ذكرى الرّاحِل الأستاذ الدكتور محمد حمدان، بواقع جلستين: الأولى يترأّسها الأستاذ الدكتور إبراهيم بدران، ويتحدّث فيها معالي وزير التّعليم العالي والبحث العلميّ الأستاذ الدكتور محمد أبو قدّيس، والأمين العامّ للمجلس الأعلى للتّكنولوجيا الأستاذ الدكتور ضياء الدين عرفة، وعضو المجمع الأستاذ الدكتور موسى النّاظر. والثّانية يترأّسها الأستاذ الدكتور فتحي ملكاوي، ويتحدّث فيها الأستاذ الدكتور عدنان عوض، والأستاذ الدكتور أحمد حمدان من الجامعة الأردنية.