facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




المريخ .. مجرد محطة


المهندس محمد العسوفي
17-03-2021 05:54 PM

عندما حان موعد السفر، قبلت أطفالي وودعت زوجتي ودخلت المطار. كانت أول مرة لي أزور فيها دولة الامارات العربية. وبعد عدة سنوات عملت فيها في دول عديدة، حطت بي الرحال في دبي. وكنت خلال فترة عملي في السعودية قد زرت بعض الدول الأجنبية دعيت لها.

فقمت بزيارة عمل لهولندا. ومكثت عدة أيام شاهدت فيها معالم مدينة أمستردام وقرأت عن الفنان فان غوخ أهم فناني المدرسة الانطباعية. وشاهدت فرع متحف مدام توسو ومررت بحي جوردان ودام سكوير والقصر الملكي. وفي الحقيقة أدهشني ما رأيت. فقد شاهدت مزيجا بين الماضي والحاضر في المباني والشوارع والطرقات وفي بعض أنماط الحياة. عشت أياما أحاول أن أجد ما الذي ينقص بلادنا حتى تصبح مثل تلك البلاد.

حين وصلت مدينة دبي التي قرأت عنها الكثير وشاهدت معالمها في برامج تلفزيونية مختلفة، كان كل ما يجول بخاطري هو ما رأيته في اوروبا. ففي وجداني دائما شعور بأن العرب لا جدارة فيهم لولوج العصر. وبعد أن كانت مدن كالقاهرة والاسكندرية محجا للاوروبيين، قبل أقل من ثمانين عاما، أصبحت تعج بالفوضى ويظهر فيها سوء التخطيط والعشوائية في التنفيذ. وظل الهاجس الذي يملأني طوال الرحلة هو أن تصيبني خيبة أخرى مما قد أرى. ومن كثرة هزائمنا في العلوم وسوء منقلبنا في كل مناحي الحياة، خشيت أن تضاف لخيباتي خيبة أخرى حين أصل إلى دبي التي ظللت أمني النفس أن يكون لنا فيها فخرٌ عزّ علينا في غيرها.

من نافذة الطائرة، وما أن بدأت معالم المدينة تظهر من بعيد، ورأيت مصفوفات من الأضواء خطتها يد فنان. تذكرت رحلتي لبلجيكا حين كانت الطائرة تمر من فوق بعض المدن الأوروبية. وبعد أن قدر لي زيارة بروكسل في رحلة عمل أخرى، لا يمكن وصف شعوري بالقهر وتدني المنزلة لاحقا حين كانت الطائرة على وشك الهبوط في مدينة القاهرة العزيزة. وملأت كياني مشاعر العجز عند وصولي لمدينة بروج التي أضافتها اليونسكو لمواقع التراث العالمي واعتبرها الكثيرون بممراتها المائية "بندقية الشمال" تيمنا بالبندقية الإيطالية "فينيسيا". لم أقارن بروج المدينة الصغيرة القديمة بمدن عربية كبيرة. بل بمدن صغيرة تركت خاوية مع أنها كانت مراكز حضارات عربية لقرون. ولم ينشأ حولها أو بجنبها مدن منظمة صغيرة أو متوسطة.

حين رأيت من الطائرة أضواء برج خليفة، استدعت ذاكرتي مشاهد رأيتها في بعض مدن اوروبا. ولأول مرة أشعر بأن على هذه الأرض ما يرد لي ثقة تمنيتها. وتذكرت مزيج الماضي والحاضر في مدن اوروبية عريقة ورأيت أن الفرق بينها وبين دبي أن من صنع هذه المعجزة، أقام مزيجا بين "الأصالة والمعاصرة". وأن قادة هذه الدولة وبعد أن منَ الله عليهم بنعمه الكثيرة، استعملوا تلك النعم في جلب الحضارة وفي ذات الوقت تم الحفاظ على أصالة راسخة. وصارت صورة العربي بلباسه التقليدي بجانب الجمل، تعني أنه يزرع في البحر مسكنا للبشر في نخلة جميرا. ويقيم بحيرات للحب وفي وسط الصحراء. ويحضر مدن العالم ليضعها في القرية العالمية. وحين صارت دبي من أهم وجهات السفر في العالم، لم ينس أن يتجاوز المألوف ويرسل إبناً له إلى الفضاء ومسباراً إلى كوكب المريخ.

بعد أن بدأت العمل هنا قبل سبع سنوات، لم أعد أستغرب أن تتخطى دبي في عدد الزوار مدنا كبرى مثل دلهي واسطنبول. ولم يعد هناك ما يدهشني حين أزور أي بلد آخر. ولا عجب أن يصيبني هذا الشعور الرائع بأن لدينا، نحن العرب، ما يجعلنا نفخر بأنفسنا ونرد على تهمة ظلت تلاحقنا بأننا فاشلون. وبعد عدة سنوات من العمل والسكن في دبي، تنقلت فيها بين مشاريع في أبو ظبي ودبي، ومن حبي لهذه البلاد، فكرت باقتراح مشروع فريد أتقدم به لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.

وذلك عرفاناً مني بفضل هذه البلاد علي وعلى الملايين من غيري. وكان المشروع الذي فكرت به هو إقامة جبل صناعي بين دبي وأبو ظبي. واجتمعت بأحد المهندسين المعماريين الألمان تعرفت عليه خلال عملي. ولما أبلغته عما نويت فعله، ضحك، وقال: أنت ما زلت متخلفاً بضع سنوات. فقد سبقك آخرون والمشروع تحت الدراسة. وبعد أن سمعت منه ما سمعت تيقنت بأنه عندما يكون عشق الوطن من مكونات الدم وحجم الطموح بإتساع الكون فان الوصول إلى المريخ هي مجرد محطة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :