facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




ذكريات من يوم الكرامة


المهندس حسين منصور الحياري
27-03-2021 12:23 AM

في صباح يوم الخميس 21-3-1968 صحونا مبكراً على أصوات المدفعية والانفجارات التي كانت تسمع بشكل واضح من منزلنا في حيّ الجدعة الفوقا ( منزل جدّي محمود العايش الحياري ) حيث كنّا نسكن.

جهزنا أنفسنا نحنُ الطلاب للذهاب للمدرسة كالمعتاد بعدَ أن تناولنا وجبة الإفطار المعتادة ثمّ في حوالي الساعة السابعة صباحاً انطلقنا إلى المدرسة و كنتُ يومها في الصف الثاني الإعدادي ( الثامن حالياً ) في مدرسة السلط الثانوية. وصَلنا إلى المدرسة وتجمّع الطلاب في ساحة المدرسة حيثُ كانت أصوات الانفجارات و المدفعية ما زالت على حالها من حيثُ الشدّة. وقَف مديرُ المدرسة أمامَ صفوف الطلاب الواقفين في الساحة وقال: " يبدو أنّ هناك اشتباكات قويّة في الأغوار وممكن أنْ تمتد إلى الجبال وتصل السلط، لذلك نعلّق الدراسة اليوم، فاذهبوا إلى بيوتكم آمنين".

كانَ المدير رجلٌ قصير القامة، ممتلئ الجسم، يضع نظارات طبية على عينيه، قويّ الشخصية، يهابُه الطلاب ويخافون منه. وكانَ رجلاً وطنياً يميل بفكره إلى فكر حزب التحرير الإسلامي. كان مُديرنا المرحوم أحمد عبد العواد عربيات أبو عماد ( شاءت الأقدار أن يصبح جدّاً لأولادي من أمهم).

سُررنا كثيراً كما هي عادة الطلاب بقرار المدير بتعليق الدوام وانطلقنا عائدين باتجاه بيوتنا، ولكن أحد الطلاب قال: " لنذهب إلى النقطة ! " - وهو المثلث الذي يؤدي من السلط إلى وادي شعيب والأغوار- ولنشاهد الدبابات التابعة للجيش الأردني وهي تتجه إلى الأغوار. وفعلاً ذهبنا مجموعة كبيرة من الطلاب ووقفنا على مثلث النقطة ( البياضة ) نحيّي رجال الجيش الذين يعتلون الدبابات ونصفّق لهم وكانوا يردون لنا التحيّة من فوق الدبابات والآليات بأيديهم.

استمرينا على هذا الحال أكثر من ساعة ونصف وكنا سعداء جداً بالعمل الذي نقوم به رغم بساطته وبعد أن خفّت حركة الآليات العسكرية باتجاه وادي شعيب الأغوار، اقترح أحدُ الطلاب أن نذهب إلى منطقة مغاريب السلط وتحديداً إلى منطقة الطرازين حيثُ أنّها تطل على سهل عيرا ومرجها وهي أعلى منها ارتفاعاً ويوجد بها صخور كثيرة ممكن أنْ نختبئ خلفها، ومن هناك يمكن أن نشاهد بأم أعيننا المدفعية السادسة المتمركزة في عيرا وهي تقصف آليات العدو و تجمعاته داخل الأراضي المحتلة في فلسطين وعلى الأراضي الأردنية.

وافقنا على الاقتراح واتفقنا على أن نلتقي بعد ساعة في أول طريق يرقا بعد مسجد العيزرية. ذهبنا إلى بيوتنا ووضعنا كتبنا وحقائبنا ثمّ ذهبنا بعدها إلى مكان التجمع المتفق عليه.

وانطلقنا من هناك باتجاه الطرازين ولم يكن هناك بوقتها أي طريق معبّد إلّا طريق البقيع – القسام – يرقا المتجه من السلط جنوباً إلى يرقا، أما بقية الطرق فقد كانت ترابية ضيقة لا تسمح لمرور السيارات والآليات عليها.

تبعد منطقة الطرازين حوالي 5 كيلو في الاتجاه الجنوبي الغربي من السلط. كنّا حوالي خمسة عشر إلى عشرين طالباً معظمهم من أبناء حي الجدعة الفوقا وحي العيزيرة أي من أبناء عشيرتي الحيارات و العربيات الذين يسكنون هذه الأحياء أباً عن جد.

وصلنا الطرازين واتخذنا موقعاً وراء الصخور مطل بشكل جيد على عيرا ومرجها وبيوتها وكنا نرى رجال المدفعية السادسة الأبطال وهم يضعون القذائف في مدافعهم ويطلقونها على تجمعات العدو. وكانت المدفعية السادسة هي أكبر المدافع لدى الجيش الأردني في حينها ومداها يصل من 25 – 30 كيلو.

كان الطقس يومها حاراً ولا يوجد أي غيوم في الجو رغم أننا في فصل الربيع المتقلب والشمس كانت ساطعة وكنا نرى الأغوار وجبال الضفة الغربية بشكل واضح حتى أننا كنا نرى طائرات الهيلوكوبتار العائدة للعدو الصهيوني التي كانت تقطع النهر شرقاً وغرباً تنقل الجرحى والقتلى من جنود العدو إلى داخل الأراضي المحتلة في فلسطين. وكانت بعض الطائرات العسكرية الصهيونية تغيرعلى المواقع العسكرية للجيش الأردني في موقع مثلث المصري ومثلث العارضة.

استمرينا في موقعنا في تلة الطرازين لساعات طويلة وكنا مستمتعين أشدّ الاستمتاع وأذكرُ أنّ الطائرات الاسرائيلية أغارت على موقع للمدفعية الأردنية في مثلث العارضة، وانبعثَ غُبار ودخان كثيف بعد الغارة واعتقدنا أنّهم تمكنوا من تدمير مواقع المدفعية التي قصفت.

ولكن بعد حوالي نصف ساعة شاهدنا هذه المدفعية تُطلق قذائفها على قوات العدو ففرحنا كثيراً وأخذنا بالصياح والتصفيق على طريقة الطلاب الصغار.

كان سلاح الجو الاسرائيلي متواجد في أجواء الأغوار بكثافة ولكنّه حتى لم يغرعلى الجبال العالية في السلط وحواليها إلى بعد الساعة الثانية ظُهراً حيث قامت طائرات العدو بقصف سيارة تموين عسكرية تابعة للجيش الأردني تحمل ذخائر عسكرية في طلوع الخرابشة ( قبل نفق دبابنة الحالي بقليل باتجاه عمان ). دمرت الآلية و خرج دخان كثيف منها شاهده أهالي السلط وما حولها.

بعد العصر قررنا العودة ولكننا غيرنا الطريق الذي جئنا منه حيث نزلنا من الطرازين إلى وادي حادي ثم صعدنا إلى السيح ومنها إلى طريق يرقا المعبد واتجهنا باتجاه السلط، وقابلنا حشداً من أهالي الكرامة مكون من رجال ونساء يتجهون إلى السلط وسألونا عن الطريق المؤدية إلى السلط وأذكرُ أنّ رجلاً كبيراً منهم سألني: " هل تعرف فلان ؟ " وذكر رجلاً فلسطينياً يعيش في السلط منذ عام 1948 ولديه محل لبيع وإصلاح الأحذية فأجبته: " نعم أعرفه، اذهب إلى وسط المدينة حيث الجامع الكبير واسأل هناك عن دكانه فيدلونك عليه ".

عدنا إلى بيوتنا قُبيل المغرب وتناولنا طعام الغداء متأخرين وكان القصف العنيف ما زال قائماً وكثيراً من بيوت السلط كانت تهتز من أصوات الانفجارات، وبعد أن أظلمت الدنيا قام سلاح الجو الاسرائيلي برمي كشّافات إنارة من الطائرات على منطقة عيرا أضاءت مساحات واسعة من السلط وحتى ماحص والفحيص ثمّ أغارت هذه الطائرات على مواقع المدفعية السادسة في عيرا.

بتنا ليلتنا منهكين من المشوار الطويل و في صباح اليوم التالي وكان يوم جمعة 22 آذار، وبعد أن تناولنا طعام الإفطار في بيوتنا، اتجهنا في حوالي الساعة التاسعة صباحاً إلى مثلث النقطة المؤدي إلى طريق وادي شعيب الأغوار لنرى الآليات والسيارات العسكرية والتي غنمها الجيش الأردني من العدو الصهيوني حيث كانت تتجه باتجاه عمان ويقودها أفراد من الجيش الأردني وكان هناك عسكري في أعلى الآليات يحمل بيده شماغ أحمر يلوّح به لنا ونحن نلوّح ونصفّق لهم ونحييهم.

وعندما وقفت آلية نصف مجنزرة تسير على الجنزير والكوشوك صعدنا إليها ونحن نصفّق ونغنّي وسلّمنا على من بها على الشجعان من أفراد الجيش وحييناهم بعواطف جياشة تعكس ما في نفوسنا من آثار الفرحة للنصر الذي تحقق. وفي يوم السبت 23 آذار ( كان يوم دوام رسمي ) اجتمعنا صباحاً في ساحة المدرسة وأخذنا نغني وندبِك نحن طلاب الصف الثاني والثالث الإعداي أغاني من وحي المعركة وكنا نردد ونحن ندبك الجوفية:

" بالكرامة حققنا المعجزات .. حتى الديان يشهد بأفعالنا

صهيوني لا تفكر حالك ربحان .. شرب الدم من عادات رجالنا "

واليوم وبعد 53 عام على ذكرى معركة الكرامة وبعد أن اشتعلت رؤوسنا شيباً ودخلنا في سن الشيخوخة ورغم طول العهد بالمعركة إلّا أنّه ما زال ليوم الكرامة نكهة خاصة في حياتي وحياة أبناء جيلي، نستعيدُ بها ذكرياتنا الجميلة رغم الواقع العربي المرّ ونترحم على شهدائها وأبطالها الذين ضحّوا بدمائهم دفاعاً عن الوطن ونتمنى أنْ تعود لأمتنا أيام كثيرة كيوم الكرامة المجيد.

فطيلة 53 عاماً كاملة لم يشهد أبناء جيلنا يوماً أعظم وأجمل من يوم الكرامة الذي ما زلنا نفتخرُ به رغم كل أحوالنا الأليمة والبائسة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :