facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




حسين الحياري والتاريخ المحكي


داود عمر داود
02-04-2021 06:17 PM

مضت أيام على وفاة الأخ والصديق المهندس حسين الحياري. ولمن لا يعرف (أبا منصور) جيداً، وهو من كان واحداً من كُتاب (عمون)، أقول لهم إن هذا الرجل كان مُحدّثاً مفوهاً وراوياً لتاريخ الأردن الحديث، بل ويمكن القول إنه موسوعة متنقلة، حافظ عن ظهر قلب لأدق التفاصيل التاريخية. ومن كان يجالس الفقيد وتربطه به علاقة، يدرك هذا تماماً. والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف استطاع حسين الحياري، وهو من مواليد 1953، أن يُلم بذلك الكم المعرفي من الأحداث وتفاصيلها دون أن يكون دارساً أكاديمياً في مجال التاريخ؟ وهو الذي تخصص في الهندسة الكهربائية؛ حيث درس أول عامين في تركيا، ثم أكمل دراسته الجامعية في مدينة لاهور بباكستان.

الحاج منصور الحياري
وللإجابة على هذا التساؤل لا بد أن نتعرف أولاً على والده المرحوم (الحاج منصور محمود العايش الحياري)، الذي يعود إليه الفضل في ذلك. فقد عاش الحاج منصور أكثر من 80 عاماً، فهو من مواليد مدينة السلط عام 1927، وتوفى سنة 2008. كان في مقتبل شبابه أحد نشطاء الحركة الإسلامية في الأردن، فدخل المجتمع من أوسع أبوابه، وأقام سلسلة من العلاقات الواسعة مع كافة أطياف المجتمع وشرائحه. وكان بطبعه طيب المعشر دمث الأخلاق طيب النفس، كريماً صادقاً ومخلصاً، وصاحب حديث ذي شجون، فأقام علاقاته وصداقاته مع النخبة المثقفة. ولا أذكر مرة واحدة زرت فيها (أبا حسن) في المناسبات إلا وجدت عنده عالماً من العلماء، أو أكاديمياً رفيع المستوى. فكان مجلسه عامراً دائماً بهذه النخبة عالية الثقافة من الناس. وهذه هي البيئة التي نشأ فيها نجله الفقيد حسين، وكافة أنجاله حفظهم الله. بيئة قائمة على الدين أولاً، وعلى الاهتمام بالشأن العام والسياسة والأدب والثقافة. لكن الذي ميّز حسين أنه كان الأكثر التصاقاً بوالده، ملازماً ومرافقاً له في نشاطاته الاجتماعية، فاكتسب بذلك علاقات والده وسعة إطلاعه. ولما توفى الحاج منصور ورث حسين وإخوته هذه العلاقات من باب البر بوالدهم.

مصدر المعرفة التاريخية
وهكذا اكتسب الفقيد حسين، من خلال والده، معرفة كثير من الشخصيات الهامة في المجتمع، ممن عاصروا الأحداث، وكانوا شهوداً عليها، خلال المئة سنة الماضية وأكثر. فجالسهم حسين على مدى عقود، في حياة والده وبعد وفاته. واستمع إليهم بنفسه، مباشرة، وهم يروون ذكرياتهم ويصفون الأحداث التي عاصروها، فطبع ذلك في ذهنه صورةً عن مجريات الأمور من مصدرها، ممن كانوا هناك، (من رأس النبع)، كما يقال. فأصبح على دراية واسعة بتفاصيل كثير من الأحداث المهمة، وخزّن كل ذلك في ذاكرته القوية، وكان يستحضر معلومات هذا التاريخ المحكي بلمح البصر، وفي أي وقت. وبمجرد أن يُطرح الموضوع أمامه يسترجع فوراً الحدَث وشخصياته، ثم يرويه بأدق التفاصيل. كان أسلوبه في رواية الخبر يوحي وكأنه هو بنفسه كان واقفاً عليه وحاضراً فيه وشاهداً عليه، مما كان يُكسِب كلامه مزيداً من المصداقية. فقد دعوتُه ذات مرة للتعرف على أصدقاء زاروني من الخليج، فكانت جلسة لا تُنسى، روى فيها حسين كثيراً من الأحداث، كالعالم ببواطن الأمور، فانبهر الزوار من زخم ما سمعوا، وحثوه في نهاية الجلسة أن يؤلف كتاباً يتضمن ما تخزنه ذاكرته من معلومات تاريخية قيّمة. وبالإضافة إلى التاريخ المحكي الذي حفظه، كان حسين قارئاً نهماً (جداً جداً جداً)، كما يقول نجله الدكتور منصور: كان (موسوعي القراءة والاطلاع)، إن جاز التعبير. وقد أجاد، إلى جانب لغته الأم، اللغتين التركية والإنجليزية، قراءةً وكتابة.

مضامين مقالات حسين الحياري
أمضى الفقيد حسين سنوات طويلة يستمع ويُخزن ويروي المعلومات التاريخية التي وصلت إلى مسامعه من كبار السن، لكن لم تُتح له فرصة الكتابة وتدوينها إلا بعد أن تقاعد من عمله في مديرية الطيران المدني عام 2015. في البداية، كان يرسل مقالاته عبر الواتساب إلى شبكة الأصدقاء والمعارف. ثم بعد ذلك أخذ ينشر في موقع (عمون).

ركز حسين في مقالاته على سيَر حياة المجاهدين والشهداء من أبناء الأردن دفاعاً عن فلسطين، وشملت مقالاته أيضاً تحليلات في السياسة الدولية. وكان آخر مقالاته التأريخية عن معركة الكرامة، بعنوان (ذكريات من يوم الكرامة)، مثالاً واضحاً على اعتماده على ذاكرته في استحضار الأحداث، ثم سردها بطريقة جميلة، تنفذُ إلى عقل القارى وفكره. وكان مقاله الأخير نموذجاً أيضاً لرواية الخبر اعتماداً على الوجدان الشعبي، وهذا أسلوب تميز به الفقيد. ويا حبذا لو يُصار إلى جمع مقالاته ذات القيمة الكبيرة في كتاب واحد يُخلِّد ذكراه العطرة، ويفيد من يأتي بعده من عشاق التاريخ ومحبي الاطلاع على سيَر الأبطال المنسيين، الذين كانوا مثالاً في التضحية، بأغلى ما يملكون، من أموال وأنفس، من أجل دينهم وأوطانهم، لكن لا تجد لهم ذكراً في كتب التاريخ ولا سطراً. فرحم الله المهندس حسين الحياري الذي وثّق بطولاتهم وذكّرنا بهم، وأسكنه، هو وهم، فسيح جنانه، وإنا لله وإنا إليه راجعون.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :