حالة من الاحتراب الداخلي تسود إسرائيل
داود عمر داود
09-06-2021 06:37 PM
بنيامين نتنياهو شخصية مغرورة يرى نفسه أنه أكبر حجماً حتى من دولته التي يحكمها، ويظن انه لو غادر السلطة لن يستطيع أحدٌ بعده حكم البلاد. هكذا هو نتنياهو وهكذا كان صديقه دونالد ترامب في أمريكا. وصل كل منهما سدة الحكم عن طريق (اللعبة الديمقراطية) وعندما خسرا قالا بأن خسارتهما كانت نتيجة مؤامرة. كلاهما أعلنا الحرب على خصومهما، وهددا أن يحرقا الأخضر واليابس قبل مغادرة السلطة. تملكهما شعور بالغضب وحب الانتقام. لكن الدولة العميقة كانت بالمرصاد لترامب وأوقفته عند حده، ولم تسمح له بالخروج عن النص، وجر البلاد إلى حرب أهلية. وها هو الشيء نفسه يحصل في الكيان الصهيوني، إذ تدخلت (الدولة العميقة) كي تحافظ على التماسك الداخلي، وتحول دون حدوث مزيد من الهزات، خاصة بعد الهزة القوية التي تعرضها لها الكيان بعد فشله في الاعتداءات على المسجد الأقصى المبارك، وفي محاولة تهجير سكان الأحياء العربية في القدس، وفي عدوانه الأخير على غزة. ترامب غادر السلطة مجبراً وترك بلاداً منقسمة على ذاتها، وها هو نتنياهو يفعل الشيء ذاته.
نتنياهو يحرض ضد خصومه
رغم اقتراب خروجه من السلطة، حيث لم يتبقى له سوى أيام في رئاسة الحكومة الصهيونية، إلا أن بنيامين نتنياهو يشن، في هذه المرحلة الانتقالية، حملات تحريض ضد خصومه، الذين تمكنوا من تشكيل إئتلاف حكومي بديل ربما يضع نهاية لحياته السياسية. وتتركز حملته ضد (نفتالي بينيت)، رئيس الحكومة القادمة، الذي يتهمه نتنياهو بالخيانة، حيث أنه كان يوماً مديراً لمكتبه وحليفاً مقرباً له، ثم انقلب عليه.
الأمن الإسرائيلي يحذر من العنف الداخلي
ويستخدم نتنياهو مفردات تشبه تلك التي استعملها ترامب حيث يصف خصومه بانهم احتالوا عليه ويصور نفسه على انه ضحية لمؤامرات (الدولة العميقة) في الكيان الصهيوني. وقد أصدر رئيس الشاباك، جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، تحذيراً من (خطاب العنف والتحريض) الذي يبثه نتنياهو ضد أعضاء الكنيست المعارضين له، وانه يشعر بالقلق من احتمال وقوع اضطرابات داخل الجماعات المتطرفة من اليمين الإسرائيلي، التي تشهد تهديدات وانشقاقات وقد تتصرف بعنف، تماماً مثلما حصل في أمريكا قبل اسبوعين من نهاية ولاية ترامب، حين هاجم أنصاره مبنى الكونغرس.
حماية أمنية للقضاة وأعضاء الكنيست
والحالة شبيهة في إسرائيل، إذ كان ترامب دائم الشكوى من أن الحزب الديمقراطي سرق الانتخابات منه بدعم من وسائل الإعلام، وها هي ذات الشكوى تصدر عن نتنياهو وكان من نتائجها أن تم وضع القضاة وقادة المعارضة تحت الحماية الأمنية بعد أن أطلق مؤيدوه تهديدات بقتلهم، مما حدا بخصمه بينيت أن يحثه على التراجع عن (حملة الأرض المحروقة)، وكذلك فعل بيني غانتس وزير الدفاع، عضو الإئتلاف الجديد. ربما يكون مفهوماً أن يهاجم أتباع نتنياهو خصومه من السياسيين، لكن استهداف القضاة أيضاً يشير إلى خشيتهم من أن هؤلاء هم من سيقررون دخول نتنياهو السجن على خلفية تهم بالفساد.
أجواء إغتيال رابين تتكرر
ولذلك فإن الأجواء الحالية في الكيان الصهيوني تشبه الى حد كبير تلك التي سادت عام 1995 والتي قادت الى اغتيال إسحاق رابين، رئيس الوزراء في حينه، على يد مستوطن يهودي متطرف، انتقاماً منه على توقيع اتفاقية أوسلو التي خلفت حالة من الاستقطاب السياسي الحاد في المجتمع الإسرائيلي، بين معسكر السلام من اليساريين، ومعسكر اليمين المتطرف الرافض للحلول السلمية، والذي يقوم على عقلية العداء للعرب. تلك العقلية التي نشأت عليها أجيال من الصهاينة المتطرفين، وهي ذات العقلية التي تنامت في عهد نتنياهو.
خلاصة القول: تعمق الإنقسام
وما زال نفس هذا الإنقسام الحاد، من أيام رابين، يعصف بالكيان الصهيوني الذي تسيطر على تفكير المتطرفين فيه أحلام التوسع وجنون العظمة، يمثلهم نتنياهو. كيان يعاني من حالة تخبط بين يمين متطرف يرفع سقف مطالباته، وبين الدولة العميقة التي تخشى من التورط في وضع يقود الكيان إلى حافة الهاوية وإلى إنقسام أشد ربما يتحول، مع مرور الأيام، إلى حالة إحتراب داخلي، تعجل في سقوط هذا الكيان الهزيل المهزوم المأزوم. فهل يمضي نتنياهو في حال سبيله بصمت، أم يقوم بتفجير الأوضاع، في ربع الساعة الأخير، ليخلط الاوراق كي يتجنب دخول السجن؟